تحركت الدبلوماسية المصرية بشكل لافت منذ يومين باتجاه فرقاء الأزمة الفلسطينية ضمن مساعي وساطة بين حركتي "فتح" و"حماس" على أمل التوصل إلى تسوية لخلافاتهما التي عمرت منذ جوان الماضي وانعكست بشكل مباشر على الوضع الداخلي الفلسطيني· وينتظر أن يستقبل الرئيس حسني مبارك نظيره الفلسطيني محمود عباس صباح اليوم بالعاصمة المصرية على أن يحظى محمود الزهار وزير الخارجية في حكومة حركة حماس المقالة مساء من طرف مسؤولين مصريين· وستركز المحادثات المنفردة مع طرفي النزاع الفلسطيني على الخلافات المستفحلة بينهما وأيضا بحث الأوضاع في قطاع غزة والناجمة أساسا عن الحصار الإسرائيلي على سكان هذا الجزء من الأراضي الفلسطينية· والواقع أن الوساطة المصرية فرضتها هذه التطورات وخاصة بعد إقدام مئات آلاف الفلسطينيين على كسر منطق المعابر والجدران العازلة، والتي وضعتهم في سجن كبير إلى درجة أنهم لم يقدروا على تحمل تلك الوضعية المأساوية وعبروا الحدود الدولية الى مصر· وقد وجدت السلطات المصرية نفسها في ظل تطورات نهاية الأسبوع الماضي مرغمة على التحرك لمواجهة ذلك الطارئ ولكن أيضا من أجل عدم تكراره في حال أقدمت ادارة الاحتلال مرة أخرى على قتل سكان قطاع غزة بموت بطيء وراء الجدران العسكرية المحيطة بهم من كل جانب، كما أن التحرك المصري جاء بعد أن وجدت القاهرة نفسها بين مطرقة آلاف الفلسطينيين المتدفقين على أراضيها وبين سندان الضغوط والانتقادات الأمريكية ودعوات واشنطن المتلاحقة بضرورة تحركها من أجل ضبط حدودها الدولية· ومن خلال تتبع الكيفية التي تعاطت بها السلطات المصرية مع طارئ لم تكن تتوقعه أنها لم تشأ استخدام القوة لمنع سكان غزة من استنشاق رياح الحرية ولو لأيام لقناعتها المسبقة أن ذلك قد يتحول إلى حمام دم بين الأشقاء وتقبلت الانتقادات الأمريكية على مضض ولكنها اقتنعت ايضا أنها مرغمة على التحرك باتجاه الفلسطينيين وإقناعهم بعدم تكرار ما حدث· وتحقيق هذا المبتغى استدعى منها دعوى فرقاء الأزمة الفلسطينية الى القاهرة وفي وقت مازال فيه الفلسطينيون يتدفقون على رفح المصرية لإقتناء ما يحتاجونه من مواد غذائية ومؤن· ولكن ومهما كانت خلفيات هذه الدعوة، فإن السؤال الذي يطرح هل سيتمكن الرئيس المصري حسني مبارك من إصلاح ذات البين الفلسطيني الذي اعترته ضغينة سياسية تحولت إلى اقتتال دموي تحولت على إثره شوارع غزة الى ساحة لمعارك طاحنة بين مسلحي الحركتين؟ ويطرح السؤال في ظل تمسك حركة "فتح" ومعها الرئاسة الفلسطينية برفضها لأي حوار مع غريمتها "حماس" ما لم تتراجع هذه الأخيرة عما تسميه بالإنقلاب على الشرعية الدستورية والعودة الى الوضع الذي ساد قبل استيلاء مسلحي حركة المقاومة على الهيئات الرسمية والأمنية في قطاع غزة·وأيضا في سياق رفض هذه الأخيرة نعتها بالإنقلابية وتمسكها بأن حكومتها تبقى الحكومة الشرعية المنبثقة عن الإنتخابات العامة لبداية فيفري من سنة 2006 · وتبدو مهمة السلطات المصرية صعبة إن لم نقل مستحيلة ليس لأن العلاقة بين حركتي "حماس" و"فتح" وصلت نقطة اللارجوع وشعور كل طرف بأن كل تراجع يعني خسارته لقبضته الحديدية مع الطرف الآخر، ولكن لأن الأزمة أخذت أبعادا دولية بعد أن دخلت إسرائيل كطرف أساسي في هذه المعادلة بل أنها أحد مسببات تأزم الوضع بدعم امريكي واضح· وتدفع تشعبات هذه الوضعية إلى إبداء تشاؤم حول إمكانية إنتهاء الأزمة السياسية الفلسطينية ومعها معاناة الفلسطينيين من سكان غزة بسبب ذلك وبسبب لجوء إدارة الاحتلال إلى فرض سياسة العقاب الجماعي ضدهم بدعوى حماية أمنها ومستوطنيها من ضربات صواريخ القسام!