تبخرت أمس آمال الفلسطينيين في رؤية انفراج للأزمة السياسية القائمة بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة التحرير الفلسطيني "فتح" منذ أزمة جوان من العام الماضي بسبب الخلافات السياسية الحادة التي ما انفكت تتكرس بينهما في ظل رغبة كل واحدة فرض منطقها على الأخرى. وفي تحوُّل مفاجئ تعرضت مساعي الوساطة المصرية الرامية إلى تقريب وجهات نظر الحركتين أمس لهزة قوية بعد قرار حركة المقاومة الإسلامية بمقاطعة لقاء القاهرة الذي كان من المنتظر أن يطرح قضايا الأزمة السياسية الفلسطينية على طاولة التشريح أمام قيادات مختلف الفصائل على أمل التوصل إلى تسوية نهائية لما يجري فيها. وبررت قيادة حركة المقاومة الإسلامية قرارها بعدم التزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإطلاق سراح المئات من مناضليها الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية وطالبت بإطلاق سراحهم كشرط مسبق قبل قبولها الجلوس إلى طاولة الحوار. وكانت هذه الاتهامات بمثابة القطرة التي جاءت لتزيد في تعكير مياه الود الضحلة أصلا بين الحركتين منذ أحداث قطاع غزة شهر جوان من العام الماضي. وكانت الأمور تسير عادية قبل عقد لقاء القاهرة إلى غاية نهاية الأسبوع الماضي عندما كثف مختلف مسؤولي حركة حماس من اتهاماتهم باتجاه الرئيس محمود عباس بشن حرب ضد الحركة لإضعافها وإفشال حوار الفصائل. وكانت مختلف الفصائل اتفقت بعد جهود وساطة قام بها مدير المخابرات المصرية الجنرال عمر سليمان على الجلوس إلى الطاولة يوم التاسع من هذا الشهر من أجل تسوية خلافاتهم العالقة والتفاهم حول سلطة واحدة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس صلبة غير قابلة للتصدع من جديد. ولم يشأ حسام زكي الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية إعطاء توضيحات إضافية حول هذه التطورات المفاجئة واكتفى بالقول أن اجتماع يوم غد قد ألغي، بينما قال مسؤول مصري آخر لم يشأ الكشف عن هويته أن اللقاء تم تأجيله بطلب من حركة حماس إلى أجل غير محدد". واشتدت الاتهامات بين مختلف مسؤولي الحركتين حول الأسباب الحقيقية لهذه التطورات ومن المتسبب فيها، حمل كل طرف الجهة الأخرى تبعات التطورات الأخيرة. وقال فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس في قطاع غزة ان حركته قررت مقاطعة لقاء القاهرة وقد أبلغنا السلطات المصرية بذلك وبرر قرار حركته بقوله "إننا اتخذنا القرار لأن الرئيس محمود عباس مازال يصر على إضعاف حركة المقاومة برفضه إطلاق مناضليها المعتقلين في الضفة الغربية. وفي أول رد فعل استنكر نبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرار المقاطعة وحمل حركة حماس المسؤولية المباشرة في "إفشال لقاء القاهرة وتضييع فرصة مناسبة للحوار وتوحيد الصفوف من جديد بين مختلف الفلسطينيين ووقف الانقسامات الحاصلة بينهم، نافيا في ذات الوقت اتهامات حركة حماس باعتقال أجهزة الشرطة لعدد من مناضلي حركة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. وكان الرئيس محمود عباس نفى في الندوة الصحفية التي عقدها مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس من جهته وبشكل قطعي كل الاتهامات التي وجهتها حركة حماس باتجاه قوات الأمن الفلسطينية. وكان مدير المخابرات المصرية الجنرال عمر سليمان الذي قام بوساطة استغرقت عدة أشهر بين مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية أكد في بيان لأجهزته أن حركة حماس أبلغته بعدم الحضور إلى القاهرة يوم غد الاثنين إلى غاية توفر الظروف الملائمة لذلك. واضطرت السلطات المصرية أمام هذا الانسداد الجديد إلى إرجاء المفاوضات المباشرة إلى أجل لاحق وإلى غاية توفر الظروف المواتية لإتمامها. وبدأت بوادر مقاطعة حركة المقاومة الإسلامية للقاء القاهرة بعد اتهامات متلاحقة ما انفك مختلف المسوؤلين في الحركة توجيهها إلى الرئيس الفلسطيني الذين اتهموه بارتكاب مجزرة ضد مناضليهم في الضفة الغربية. واتهم مشير المصري نائب حماس في قطاع غزة أمس الرئيس محمود عباس بالتحامل على حركة حماس لإرضاء إسرائيل والولايات المتحدة. ونفى محمود عباس الاتهامات وقال أن مصالح الأمن الفلسطينية لا تقوم إلّا باعتقال الذين يقومون بأعمال غير شرعية في إشارة الى مهاجمة الأهداف الإسرائيلية انطلاقا من أراضي الضفة الغربية أو أولئك الذين يحوزون على أسلحة أو الذين يقومون بجمع أموال دون تراخيص قانونية. وكان من المقرر أن تلتقي مختلف الفصائل الفلسطينية بالعاصمة المصرية يوم غد الاثنين بهدف بحث سبل التوصل إلى أرضية توافقية لإطلاق حوار صريح وإزالة كل العقبات أمام توحيد السلطة الفلسطينية وإنهاء حالة الشرخ القائمة بين الأراضي الفلسطينية وانقسام السلطة بينهما. وكان من المنتظر أن تتم معالجة كل المسائل العالقة ذات الصلة بالانتخابات العامة والرئاسية وإعادة إصلاح مختلف الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتوحيدها تحت قيادة واحدة. وإذا كانت حركة المقاومة قد أبدت استعدادا للمساعدة في التوصل إلى اتفاق بالتراضي إلا أنها وضعت في المقابل بعض التحفظات على الخطة المصرية وطالبت بطرحها لنقاش معمق وعدم التوقيع عليها بنفس الصيغة التي جاءت على أساسها الوثيقة التمهيدية. وقال محمد الهندي الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي ثالث القوى السياسية الفلسطينية أمس بالقاهرة انه سيعود إلى غزة على اعتبار أن الحوار لم يعد ذا معنى في ظل غياب حركتي "حماس" و"فتح". وبذلك عادت الفصائل الفلسطينية إلى نقطة البداية وسط مزيد من الريبة والشكوك المتبادلة قد تزيد من تعميق الهوة بينها وفقدان أي أمل للتوصل إلى حل نهائي لأزمة السلطة في الأراضي الفلسطينية.