بدأت ساعة الحقيقة بالنسبة للقوات الأمريكيةالمحتلةلأفغانستان أمس في أول مواجهة مفتوحة مع مقاتلي حركة طالبان في معاقلها في جنوب شرق البلاد. وأقحمت القوات الدولية بقيادة أمريكية أمس في أول عملية هجومية ضد معاقل طالبان أكثر من 15 ألف عسكري في أضخم تعداد عسكري يتم الزج به في أوسع عملية لقلب موازين القوى في هذا الجزء من الأراضي الأفغانية والذي اتخذته حركة طالبان معقلا رئيسيا لمقاتليها منذ الإطاحة بنظامها في نوفمبر سنة 2001. وتعد عملية "معا" الأولى من نوعها بين القوات الأفغانية والدولية منذ بدء الإدارة الأمريكيةالجديدة في تنفيذ استراتيجيتها الجديدة بإرسال أكثر من 30 ألف عسكري أمريكي إلى أفغانستان في إطار رغبة ملحة أبداها الرئيس باراك أوباما لحسم الوضع العسكري في أفغانستان بقناعة أنها المصدر الأول للإرهاب الدولي. وإذا كانت كل التقارير الواردة من جبهة المواجهة قد أبدت تفاؤلا كبيرا بسبب ضعف المقاومة لمقاتلي حركة طالبان فإن ذلك لا يعد سوى أمرمؤجل إلى حين لأن الأمور الجدية سوف لن تبدأ إلا مع تقدم القوات الأمريكية والدولية المتحالفة معها وحينها سيكون هناك حديث آخر قد يتحول معه التفاؤل إلى شعور بالتشاؤم. والمؤكد أن حركة طالبان التي كانت ولعدة أسابيع ومنذ إعلان القوات الدولية عن نيتها في شن عملية "معا" وهي تحضر مقاتليها من أجل موعد المواجهة المفتوحة تدرك أنها لن تكون سهلة بالنظر إلى عدم تكافؤ القوى بين الطرفين المتحاربين. ورغم تفاؤل القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها إلا أن ذلك لم يمنع من سقوط خمسة جنود أمريكيين وإصابة آخرين ومقتل جندي كندي بالإضافة إلى إصابة جنديين أستراليين في مؤشر يؤكد صعوبة مهمة وحدات المارينز في أول امتحان تخوضه ضد حركة طالبان التي فقدت من جانبها عشرين مقاتلا حسب تقارير للقوات الأفغانية. وبدأت عملية "معا" ليلة الجمعة إلى السبت ضمن أول مرحلة لعمليات قادمة أوسع شملت في مرحلتها الأولى مدينة مرج في جنوب شرق محافظة هلمند والتي يقطنها أكثر من 125 ألف أفغاني فر معظمهم منها مخافة وقوعهم بين فكي كماشة المواجهات العنيفة التي ستشهدها في الساعات والأيام القادمة. وبدأت أكثر من 60 طائرة مروحية في نقل تعزيزات الوحدات الأمريكية والأفغانية إلى خطوط التماس على جبهة القتال استعدادا لساعة الصفر لهذه المواجهة بهذا الحجم تشنها القوات الأمريكية منذ الإطاحة بحركة طالبان سنة 2001. وتبدو المواجهة غير متكافئة بين طرفي نقيض هذه المعادلة العسكرية حيث سيجد حوالي ألف مقاتل طالباني في مواجهة 15 ألف جندي أمريكي وأفغاني الفارق بينهما أن الأول سيكون في تحصينات دفاعية بينما سيكون الثاني في حالة هجوم مما قد يعرضه لخسائر بشرية كبيرة. وهو توقع وارد رغم الفارق الضخم في المعدات الحربية للقوات الأمريكية التي ستعتمد على ترسانة متطورة من طائرات مروحية ومقنبلات وأجهزة استكشاف متطورة بينما سيعتمد مقاتلو حركة طالبان على نقيض ذلك على تقنية حرب العصابات والألغام المزروعة أرضا والمتحكم فيها عن بعد لنصب الكمائن للقوات المعادية وهي التقنية التي جعلت وحدات المارينز تخسر خمسة من جنودها صباح أمس فقط. كما أن القوات الأمريكية ستواجه مشكلة أعقد حيث أن مقاتلي طالبان لا يمكن تمييزهم عن سكان القبائل الأفغانية التي ذابوا فيها أو أنهم من أبنائها وبالتالي سيكون من الصعب استعمال تلك الترسانة لضرب المقاتلين تفاديا لسقوط قتلى مدنيين. وهو التخوف الذي جعل الرئيس الأفغاني يحذر بطريقة ضمنية القوات الأمريكية من استهداف المدنيين لأنه يدرك صعوبة التمييز وأيضا انطلاقا من تجارب عمليات قصف جوي أمريكية سابقة خلفت مقتل عشرات المدنيين الأفغان بدعوى ملاحقة مقاتلي طلبان وتنظيم القاعدة. ولأنه يدرك أن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية على شعبيته. وتبدو عملية "معا" وكأنها بداية لمسلسل عمليات مماثلة قادمة على اعتبار أن منطقة مرج التي استهدفتها القوات الأمريكية لم تكن إلا أول محطة في عمليات القوات الدولية التي ستواصل عمليات مماثلة في معاقل طالبان الأخرى. ومهما كانت التكهنات فإن عملية مرج ستكون بمثابة امتحان كبير للقوات الأمريكية وفي مخيلتها صورة القوات الأمريكية المهزومة في فيتنام وأكثر من ذلك تجربة الجيش الأحمر السوفياتي نهاية وبداية سنوات الثمانينات من القرن الماضي وسوف لن يكون في مصلحة القوات الأمريكية الفشل في أول عملية من هذا الحجم.