كثيرا ما يشتكي المواطنون من أداء المجتمع المدني ويشير إليه بأصابع التقصير والإهمال، وينسون أن غيابهم في الساحة وتقصيرهم وإهمالهم هو السبب المباشر، فلا يختلف اثنان في أن توحيد المواطنين وجمعهم على الاهتمام بما يهم العمارة أو الحي أو المدينة قد يكون ضرباً من الخيال، بالنظر إلى السلبية السائدة التي تجعل كل فرد ينتظر تحرّك الآخرين من أجله، وبذلك لا يتحرّك شيء على الإطلاق، ولذلك فلا نستغرب أن يتأخر المجتمع المدني عندنا عن أداء مهامه، ويكون دون تأثير أو جدوى ويترك الساحة للفراغ أو لغير العاملين في أحسن الأحوال. وإذا كنا نسلّم بأن تكوين مجتمع مدني قوي ليس بالأمر السهل، وإقحامه في التحسيس والتوعية ونشر ثقافة التحضر، لن يتأتى إلا بغربلته وتطهيره من أولئك الذين يتخذون أختام الجمعيات وسيلة لحضور الرسميات وقضاء مآربهم الخاصة، لكنهم في المقابل لا يقدمون شيئاً للمجتمع ولا يحترمون القوانين الأساسية الضابطة. وإذا كان الحوار والتواصل بين أفراد المجتمع موجوداً، فإن معظم المشاكل والأزمات تجد طريقها إلى الحل، ففي المجتمعات الغربية، تم فك الإشكالية بين الأفراد والأجيال والطبقات، وتمكنت الهيئات والمؤسسات العليا من رسم سياستها بشكل يخفف فاتورة العديد من الأمراض الاجتماعية والنفسية، ويساهم في دفع مختلف القطاعات، أما إذا كان العكس فلا نستغرب أن يبقى المجتمع منزوياً على نفسه، مغلوباً على أمره، يبحث عمن يقوم بتلك المهمة الاجتماعية التي لا تستطيع أن تقوم بها هيئات أخرى.