أكد الصحفي والسيناتور الفرنسي كلود آستيي، أن الصحافة الفرنسية اليسارية طالبت بتنظيم مفاوضات بين الاحتلال الفرنسي وممثليّ جبهة التحرير الوطني بغية تحقيق استقلال الجزائر، مضيفا أن موقف هذا التيار الصحفي أثرّ تدريجيا في الرأي العام الفرنسي وأظهر له الصورة الحقيقية للقضية الجزائرية. وأضاف كلود آستيي في الندوة الصحفية التي نشطها أول أمس بالمركز الثقافي الفرنسي تحت عنوان:''الصحافة الفرنسية أثناء حرب الجزائر'' بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية التعبير، أن مساندة الصحافة الفرنسية اليسارية لحق الجزائريين في الاستقلال وفي مقدمتها ''فرانس أبسرفاتور''،''ليكسبريس''، ''تيموانياج كريتيان''، جعلها تتعرض إلى الكثير من المضايقات من طرف القوات الفرنسية إلى درجة سجن صحافييها ومتابعتهم قضائيا مثل سجن الصحفي كلود بوردي عن صحيفة ''فرانس أبسرفاتور'' ومتابعة الصحفي روبار بارا صحفي ''تيموانياج كريتيان'' قضائيا وهو الذي كان أول صحفي يحاور المجاهدين الجزائريين، علاوة على مصادرة بعض العناوين مثلما حدث لجريدة ليكسبرس التي صودرت 22مرة وجريدة ''فرانس أبسرفاتور'' التي صودرت هي الأخرى 16مرة ما بين سنة 1955وسنة.1961 كما أشار إلى أهم المواضيع التي تناولتها هذه الصحافة ابتداء من سنوات الخمسينات وبالأخص بعد اندلاع الثورة التحريرية وهي: ضرورة تنظيم المفاوضات بين سلطات الاحتلال وممثلي جبهة التحرير الوطني، منح الجزائريين حقهم في الاستقلال، تسليط الضوء على عمليات التعذيب التي يمارسها الاستعمار ضد الجزائريين، مستطردا أن الصحافة اليسارية أثرّت في الرأي العام وأبرزت له حقيقة ما يحدث في هذه الحرب. وعاد كلود بالحضور إلى شهر جوان من سنة 1949عندما كان ضمن الوفد الصحفي المرافق للرئيس الفرنسي آنذاك فانسون أريول، فقال أن هذه المهمة التي دامت خمسة أيام كانت مسخرة حقيقية باعتبار أن الرئيس لم يلتق بأي ممثل عن الرأي العام الإسلامي، مضيفا أنه قرر ترك الوفد في قسنطينة والتوجه نحو الجزائريين وفي مقدمتهم فرحات عباس وأحمد بومنجل، هذا الفعل جعله يتعرف عن قرب عما كان يحدث في الجزائر من قمع وقتل وتعذيب. وفي هذا السياق، كشف كلود انه شعر بالفزع لكل الحقائق التي كانت تخفيها سلطات الاحتلال عن الرأي العام الفرنسي والصحافة الفرنسية بتياراتها المختلفة. مضيفا أنه مباشرة بعد عودته إلى فرنسا كتب مقالا في جريدة ''بروري دو ليون''، قدم فيه شهادته عن الواقع المعيشي للجزائريين في فترة الاستعمار والتي جاءت عكس التيار الذي سار عليه الصحافيون الآخرون المرافقون للرئيس أريول الذين نوهوا بسياسة فرنسا في الجزائر، مما كلفه إلغاء اعتماده لدى الرئاسة ومنعه من زيارة الجزائر. واعترف آستيي بقلة مبالاة الصحافة جميعها بأحداث ماي 1945 في الشرق الجزائري وكذا بالقضية الجزائرية قبل اندلاع الثورة الجزائرية، ما عدا بعض المقالات المتناثرة هنا وهناك، مثل مقالات كلود بوردي في''فرانس أبسرفاتور'' الذي شبه التعذيب الذي يتعرض له الجزائريون بالتعذيب الذي ناله من النازيين في الحرب العالمية الثانية، لتتوالى المقالات حول موضوع الحرب الفرنسية الجزائرية بعد سنة ,1954 مثل التحقيق الذي قام به جون دانيال في جريدة ''ليكسبريس'' تحت عنوان ''سفر الخوف''، بالإضافة إلى مشاركة أقلام جزائرية بمقالاتها ومن بينها فرحات عباس وبومنجل. وتحولت القضية الجزائرية إلى موضوع رئيسي في الصحافة اليسارية، حتى أن كلود بوردي كتب بعد خطف فرنسا للطائرة المقلة لبن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف ومحمد خيضر ومصطفى الأشرف، أن السلطات الفرنسية تريد توقيف ممثلي الجبهة حتى لا تقوم بمفاوضات معهم، كما طالب بتنظيم انتخابات تقرير المصير بالجزائر. وعلى عكس موقف الصحافة اليسارية تجاه الثورة الجزائرية، وقفت الصحافة اليمينية ضد استقلال الجزائر''يضيف آستيي''، ومن بينها جريدة ''لوفيارو'' و''لوغوغ''، بالمقابل تحدث الشاهد على محطات من تاريخ الثورة الجزائرية، عن ذكريات جمعته بالجزائر مثل مظاهرات 11ديسبمر 1960التي كان شاهدا عليها وكذا عن استقلال البلد وفرحة الجزائريين بهذا الانجاز العظيم. آستيي تمنى أن تنسج الجزائروفرنسا علاقات متينة بينهما باعتبار توفرهما على العديد من النقاط المشتركة، أما عن قضية رفع نائب فرنسي لقضية أمام محكمة ضد فيلم ''الخارجون عن القانون''، عبرّ آستيي عن تأسفه للخلط الذي يحدث بين الثقافة والسياسة قائلا: ''ما حدث أمر مشين بالفعل ويعود إلى رغبة هذا النائب في كسب محبة وأصوات سكان المنطقة التي يرأس بلديتها والتي تتكون في غالبيتها من الأقدام السوداء''. للإشارة كلود آستيي، صحفي لامع ومؤسس جريدة ''نوفال أبسرفاتور''، كما كان رئيس تحرير سابق لجريدة ''ليبيراسيون''، كتب العديد من المقالات حول الثورة التحريرية الجزائرية، أبعد من ذلك فقد كان شاهدا على أحداثها منذ أواخر الأربعينيات، عمل نائبا في البرلمان الفرنسي ونائبا في البرلمان الأوروبي وسيناتورا، مختصا في المواضيع الدولية والصحافة واشتغل مدير لجنة استقبال للحزب الاشتراكي الفرنسي.