يحل اليوم المنتخب الوطني لكرة القدم ببريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا، لتحضير آخر مباراة له ضمن المجموعة الثالثة، حيث يلتقي تعدادنا الوطني مع نظيره الأمريكي يوم الأربعاء المقبل، في مباراة نكون أو لا نكون، وهو شعار يحمله الأمريكيون كما يحمله الإنكليز والسلوفينيون بعد تعادلي الجولة الثانية التي سوت بين الحظوظ وتركت الإثارة تطغى على كل شيء. لكن قد يتساءل البعض كيف هي الأجواء داخل المنتخب الوطني؟ وهل كانت نتيجة مباراة انكلترا كافية لإزالة الاحتقان الذي عاشه منتخبنا قبل هذه المباراة وكيف عاش لاعبونا فرحة البقاء ضمن المجموعة وكيف تعاملوا مع المنتخب الانجليزي الذي ذهب ضحية غروره؟
العناق للأحبة والتحية للأنصار وحتى يمكن الإجابة على هذه التساؤلات، لابد من الإشارة إلى الجو العائلي الذي عاشه أفراد المنتخب الوطني الذين التقوا مع أفراد من عائلاتهم الذين جاؤوا مهنئين بالنتيجة ومؤازرين لهم، خاصة وأن اجتياز عقبة الأسد الانجليزي بتلك القوة وتلك الاستماتة والندية أيضا كان يتطلب مثل هذا التواصل العائلي. ولم يكتف عناصر المنتخب الوطني بحرارة اللقاءات العائلية، بل أنهم حرصوا على تحية الجماهير التي أبى بعضها إلا أن يرافق ولو عن بعد حافلة المنتخب الوطني التي نقلته إلى فندق سوتهام سين نيولندز بكاب تاون. كما أن هذه الجماهير أبت أن تغادر ملعب المباراة إلا بعد رؤية عناصر المنتخب وتقديم التشجيعات لهم، خاصة وأن هذا التعادل قد أعاد الأمل للكثيرين ممن كانوا يرون استحالة مقارعة هذا المنافس بتلك الشراسة التي حولت ثعالب الصحراء إلى أسود لا تؤمن بالمستحيل. وحتى مغادرته مطار كاب تاون يوم أمس خص المنتخب الوطني بما يليق به من حفاوة وتشجيع، لأن الجماهير الجزائرية كانت متواجدة بالمئات في مطار كاب تاون، إذ فيها من تنقل لتحية المنتخب وفيها من كان يتأهب للسفر إلى العاصمة والبحث عن إقامة قريبة من الملعب ليسهل عليه التنقل يوم المباراة.
حنكة ''الشيخ'' تغلبت على فلسفة ''كابي'' أما داخل معسكر المنتخب الوطني، فإن ما كان يبدو نفورا قبيل مباراة انكلترا سرعان ما تحول إلى ود ووصال، خاصة وأن كل اللاعبين دون استثناء أعادوا قراءة ما كانوا يهمسون به في السر، وقالوا إن حنكة ''الشيخ'' تغلبت على فلسفة '' كابي'' وأنهم نجحوا تكتيكيا، لأن تعليمات سعدان كانت دقيقة وأنه اختار أحسن من يجيد تطبيقها. لقد كانت الأجواء توحي أن الكل قد تجاوز مرحلة الضغط النفسي الذي طغى على سلوكات البعض وربما تصرفوا بما يغضب سعدان الذي بدا غير مبال بكل ما حدث أو تسرب للصحافة من كواليس المنتخب الوطني، حيث أكد للكثير من الصحافيين الذين حاولوا حشره في زاوية ضيقة، بأن المنتخب الوطني أظهر شخصيته الحقيقية ولعب بمزاج الكبار الذين لا يريدون السقوط وأظن أن اللاعبين جميعا دون استثناء في وضع نفسي جيد للغاية.
سعدان يريد التركيز والصحافة تطالب بالمزيد وكعادته طالب سعدان بعض محاوريه بالهدوء في التعامل مع المنتخب الوطني، لأن ما بقي يتطلب الكثير من التركيز والهدوء والسكينة والابتعاد عن الأضواء. هذا ما قاله سعدان قبل أن يلتحق بعناصر الفريق والبعثة تتأهب للذهاب إلى مقر إقامة المنتخب الوطني بمنتجع سان لامير الذي يمتاز بالهدوء والذي من الصعب التقرب منه، لأنه منطقة معزولة ولا يمكن الدخول إليها إلا بترخيص من الفيفا. خاصة وأن التغطيات الصحفية بمقرات إقامة المنتخبات غير مسموح بها وقد تعرض كل مخالف إلى سحب بطاقة الاعتماد منه وحرمانه من متابعة المونديال.
إجماع على أن تعدادنا كان شرسا وربما لا يختلف الأمر عند اللاعبين الذين سعدوا كثيرا بنتيجة التعادل التي جاءت على حساب عملاق لم يسبق أن انحنى أمام أي منتخب عربي. رفاق مطمور لم يخفوا سعادتهم، لا لأنهم تعادلوا، ولكن لأنهم نجحوا في إعادة المنتخب إلى سكة التنافس، أعادوه إلى أبهى صورته ويكفيهم أنهم وضعوا أنفسهم في نفس المستوى من الطموح مع كل منتخبات المجموعة الثالثة بفارق ثلاث نقاط عن الأول ونقطة واحدة عن الانكليز والأمريكيين.
مطمور حاصر دفاع انكلترا في منطقته وقد لخص مطمور فرحته في كلمات مقتضبة للإعلاميين الجزائريين الذين التفوا حوله بعد المباراة، حيث قال ''لقد تمكنا من تحقيق نتيجة جد ايجابية أمام منافس ما زال يعد الأقوى في المونديال رغم انه لم يفلح حتى الآن في تكريس هذه الصورة التي نحترمها، لكن هذا لا يمنعني من القول بأننا لعبنا بدون عقدة أمامه، وشخصيا تلقيت عدة ضربات من المدافعين الانجليز الذين يمتازون باللياقة البدنية ولا يتسامحون مع المهاجمين. وهنا لابد من التنويه بالدور الذي لعبه مطمور كرأس حربة، حيث حاصر الدفاع الانجليزي في منطقته ومنع بعض المدافعين من مغادرة المنطقة وبذلك خفف من ضغط رفاق جون تيري الذين غالبا ما يتحولون إلى مهاجمين وهدافين، وهو ما لم يحدث في مباراة أمس الأول، لأن الوضع اختلف هذه المرة مع الجزائريين.
يبدة.. قطعة أساسية مثل هذا الشعور يمكن قراءته في تصريح يبدة الذي يعد قطعة أساسية في تعداد المدرب رابح سعدان والذي قال: لقد أدينا مباراة قوية أمام انكلترا التي يبقى منتخبها من أقوى منتخبات المونديال وأحد أهم المنتخبات المرشحة للذهاب بعيدا في هذا المونديال الإفريقي، حيث هاجمنا كثيرا ودافعنا بنفس الروح أيضا، وظفنا كرة جميلة ومن المؤسف أننا لم نسجل في مرمى المنافس، خاصة وأن كل هجوماتنا كانت صريحة ومزعجة للخصم. لكن يبدة لم يتردد في القول أن ما بقى أصعب بكثير ولضمان التأهل لابد من الفوز على الولاياتالمتحدةالأمريكية.
لحسن: لعبنا بنسبة 150 بالمائة كما يمكن ترجمة ذلك في تصريح اللاعب لحسن الذي ربما يكون قد ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: لقد أدينا ما علينا وشكلنا ندا قويا للانجليز، فأعطينا نسبة تفوق 150 بالمائة من الجهد، لكن تعبنا لم يذهب سدى على الإطلاق، وأظن أن مفاتيح لعبنا كانت تكمن في لعبنا الجماعي وفي كل الاتجاهات، لقد دافعنا بقوة وهاجمنا بقوة وواجهنا قوة الانجليز الذين يمتازون بلياقتهم الكبيرة. وعلى غرار يبدة ومطمور لم يتوان لحسن في القول: ''إننا نملك نفس الحظوظ مع بقية المنتخبات وبلوغ الدور المقبل يتطلب تحقيق الفوز على حساب أمريكا.
مبولحي يتفادى الحديث مع الصحافة ظرفيا ويبقى الحارس مبولحي المتألق يشكل الاستثناء داخل المنتخب الوطني، فهو يرفض الاحتكاك بالصحافة إلى درجة أنه لم يلتفت لأي من الصحافيين الجزائريين الذين اعترضوا سبيله بعد المباراة مباشرة لمعرفة شعوره وهو يساهم في صنع التعادل بعد أن حافظ على عذرية شباكه بالرغم من الضغط الكبير الذي فرض عليه وكذا القذفات القوية التي صوبت إليه حتى من داخل منطقة العمليات، حيث لعب بهدوء أعصاب وكان سيد عرينه ومنطقته. لكن تحفظ مبولحي من الحديث إلى الصحافة قد ترجمه بعض زملائه في المنتخب الوطني على انه ظرفي، لأن مبولوحي يعرف ماذا تريد الصحافة في هذا الظرف بالذات، خاصة وأن هناك من بدأوا في الحديث عن توتر العلاقة بين الحارس الأساسي السابق شاوشي فوزي وبين مبولحي الذي بدأ سهمه يرتفع، بعد أن أدى أول اختبار رسمي له بنجاح أمام انكلترا.