بعيدا عن ضوضاء الصحافة وحرارة التصريحات كتمت موسكو وواشنطن قضية الجواسيس الروس العشرة وكأنها لم تكن بمقتضى عملية مقايضة قبلت فيها موسكو بتسليم أربعة جواسيس امريكيين. وتكون السلطات الروسية والأمريكية قد تعاملت بمنطق براغماتي بعيدا عن الحسابات الإيديولوجية التي طبعت مواقفهما في وقت سابق وطوت صفحة هذه القضية التي كادت تعيد علاقات البلدين إلى نقطة الصفر لولا أن تم تغليب المصلحة على منطق الفضيحة. ولم تخف الخارجية الروسية رغبة البلدين في أن عملية التبادل تأتي في إطار تحسين العلاقات الروسية الأمريكية وفي سياق المحافظة على الطبيعة الاستراتيجية للشراكة الروسية الأمريكية. وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها إتمام صفقة لتبادل الجواسيس بين البلدين منذ نهاية الحرب الباردة في حادثة جاءت لتؤكد أنه رغم انتهاء هذه المرحلة إلا أن القوتين الأعظم مازالتا تتعاملان فيما بينهما بمنطق الريبة والشك رغم التقارب المراد تحقيقه من كلا العاصمتين في محاولة لطي صفحة العداء الأيدلوجي بينهما. وتمت عملية التبادل أمس في العاصمة النمساوية فيينا حيث حطت طائرة روسية كانت تقل أربعة جواسيس لصالح أمريكا في نفس الوقت الذي حطت فيه طائرة أمريكية وعلى متنها الجواسيس الروس العشرة الذين فككت شبكتهم قبل أسبوعين. وألقى الرئيسان باراك اوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيدف بثقلهما من أجل إنهاء هذه الأزمة في مهدها وعدم تضخيمها بعد أن قبلت موسكو شروطا أميركية لإطلاق سراح أربعة جواسيس أمريكيين اعتقلوا من طرف جهاز المخابرات الروسي منذ عدة سنوات. وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي ''أف. بي. أي'' فكك الأسبوع الماضي شبكة جواسيس يعملون لصالح جهاز المخابرات الخارجية الروسية في الولاياتالمتحدة حيث أحيلوا على المحكمة الفيدرالية التي اعترفوا أمامها بالتهم الموجهة إليهم. وهي القضية التي كان يمكن أن تحدث زوبعة كبيرة في روسيا كما في الولاياتالمتحدة لولا أن رئيسي البلدين تمكنا من احتواء هذه الأزمة في حينها بعد أن تم إبقاؤها في إطارها الضيق في نفس الوقت الذي أصدر فيه الرئيس الروسي عفوا عن الجواسيس الروس الأربعة الذين تضمنتهم الصفقة. وضمت قائمة المفرج عنهم إيغور سوتياغين الخبير في المجال النووي وعقيد الاستخبارات العسكرية الروسية السابق سيرغي سكريبال وعميل الاستخبارات الخارجية الروسية ألكسندر زابوروزيسكي والمحامي الكسندر سيباتشيف الذين أصدرت في حقهم العدالة الروسية أحكاما بالسجن بتهمة التجسس وبررت مصادر في الرئاسة الروسية أن قرار ميدفيدف بدعوى أنه أخذ بعين الاعتبار أن المتهمين قضوا أحكاما قاسية حيث قضى سوتياغين 11 عاما في السجن وزابوروزيسكي حوالي تسعة أعوام بينما قضى سكريبال خمسة أعوام ونصف في السجن. وتمت عملية التبادل على أرضية مطار العاصمة النمساوية حيث حطت الطائرة الأمريكية إلى جنب الطائرة الروسية التي كانت تقل هي الأخرى الرعايا الروس الذين كانوا يعملون لصالح الولاياتالمتحدة وبكيفية حجبت باب الطائرتين عن أعين الصحافيين وعدسات الكاميرات وآلات التصوير.