هل عادت حرب الجواسيس بين موسكووواشنطن بعد سنوات من الارتخاء الأمني وعودة الثقة بينهما التي أشرت على طي صفحة الحرب الباردة التي شكلت أزهى سجالات الجواسيس بين المعسكرين الشرقي والغربي. سؤال فرض نفسه أمس عندما أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي ''أف. بي. أي'' عن تفكيك شبكة من عشرة جواسيس يحملون جنسيات أمريكية وكندية وبيروفية بينما بقي العاشر في حالة فرار قبل أن يتم اعتقاله في مطار لارناكا القبرصي. وأكد قرار الاتهام الموجه للأشخاص العشرة المشتبه في علاقتهم بجهاز التجسس الخارجي الروسي سعي هذا الأخير إلى تمكينهم من البروز داخل المجتمع الأمريكي بهدف الحصول على معلومات من خلال التغلغل في مختلف الأوساط السياسية الأمريكية قصد الحصول على معلومات سرية''. وشكل تفكيك هذه الشبكة الحدث الأول في الولاياتالمتحدة وطغى على كل القضايا الأخرى بما فيها انتكاسة الفريق الأمريكي لكرة القدم في نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا. واكتسى الكشف عن هذا الخبر أهمية خاصة في موسكو كما في واشنطن كونه أتى في سياق زمني يحمل دلالات سياسية هامة بالنسبة للعاصمتين ولرئيسي البلدين اللذين يعملان منذ وصولهما إلى سدة الرئاسة في بلديهما على طي صفحة الخلافات وفتح أخرى لعلاقات أكثر تعاونا وبثقة اكبر من تلك التي سادت في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.وذهبت أولى التعاليق على هذه الحادثة أن الكشف عن هذه الشبكة سيكون له وقع مباشر على العلاقات الثنائية بين البلدين وخاصة وانها جاءت أياما فقط بعد لقاء الرئيسين أوباما ومدفيديف بالعاصمة الأمريكية، حيث عبرا عن رغبة متبادلة لطي صفحة الخلافات بين بلديهما والبدء في علاقات أكثر توازنا وبراغماتية بعيدا عن شحناء الدرع الصاروخي والخلافات الاستراتيجية حول القضايا الدولية. ولكن إعلان وزارة العدل الأمريكية عن خبر الشبكة التجسسية كان بمثابة قنبلة حقيقية على طريق العلاقات الروسية-الأمريكية وخاصة عندما أكدت أنهم يعملون لصالح جهاز المخابرات الخارجية الروسية. وهو الخبر الذي سارعت السلطات الروسية إلى نفيه واعتبرته مجرد قضية مفتعلة أراد أصحابها من ورائها التأثير على رغبة سلطات البلدين في عودة العلاقات بينهما إلى علاقة ود وتقارب بعد سنوات من الشحناء والتنافر. وهو ما لم يخفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكد أن التوقيت الذي تم فيه الإعلان عن هذه الشبكة تم اختياره بحذاقة متناهية لأهداف مضبوطة مسبقا. وأكد أن توقيتها لم يكن عبثيا ويهدف إلى ضرب العلاقات الجديدة التي يريدها الرئيسان ميدفيديف واوباما. وهي المقاربة التي ذهب إليها نيكولاي كوفاليف المدير السابق لجهاز المخابرات الروسية الذي تساءل بدوره عن دواعي الكشف عن هذه الشبكة أياما فقط بعد زيارة ميدفيديف إلى واشنطن وتناولهما الغداء في احد محلات الوجبات السريعة بالعاصمة واشنطن بعيدا عن اية بروتكولات رسمية لإعطاء الصورة الجديدة عن هذه العلاقات. وقال لماذا لم يتم الكشف عن هذه الشبكة قبل أو بعد هذه الزيارة مباشرة ؟ وفي إجابة على هذه التساؤلات لم يتردد خبراء روس في القول أن الكشف عن هذه الشبكة من تدبير المحافظين الجدد داخل أجهزة المخابرات الأمريكية لإفشال سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما والتي تلاقي معارضة شرسة من هؤلاء وخاصة ما تعلق بسياسته مع روسيا. وقال مدير المخابرات الروسية السابق أن صقورا في أجهزة المخابرات الأمريكية ممن يعملون على إيجاد عدو خارجي هم الذين يقفون وراء هذه الفضيحة. واكد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي قام بهذه التوقيفات هو هيئة على علاقة متينة مع المحافظين الأمريكيين الذين يضعون روسيا بمثابة عدو يتعين القضاء عليه''. ومهما كانت حقيقة هذه القضية وخلفياتها وتشعباتها الآنية واللاحقة فإنه لا يستبعد أن تأخذ أبعادا دولية بعد أن اشتبهت السلطات الايرلندية والبريطانية في أن يكون بعض المشتبه فيهم قد استعملوا جوازات سفر ايرلندية وبريطانية في تحركاتهم. واذا تأكد مثل هذا الامر فإن ذلك سيضع روسيا في وضع حرج وخاصة وان الامر يتعلق بانتحال شخصية الغير في مهمات مشبوهة تماما كما حدث مع عملاء جهاز الموساد الاسرائيلي الذين استعملوا جوازات باسم دول أوروبية لدخول الإمارات العربية المتحدة لاغتيال محمود المبحوح القيادي في كتائب عز الدين القسام في احد فنادق دبي يوم 20 جانفي الماضي.