تعرف ساحات وشوارع وحدائق مدينة بومرداس ليلا منذ بداية موسم الحر، حركة غير عادية بفعل التهافت الكبير للعائلات، التي أصبح ملاذها الوحيد التنزه ليلا والاستمتاع بالنسيم المنبعث من البحر، هروبا من الحر الشديد والرطوبة العالية المسجلة هذه الأيام. من بين أهم المقاصد المفضلة التي تواظب عليها العائلات في بومرداس بشكل متواصل مساء كل يوم، شارع الاستقلال المعروف شعبيا باسم ''بولفار'' الواقع وسط المدينة والمطل مباشرة على البحر؛ هذا الشارع يعرف حركية كثيفة للراجلين والسيارات على السواء، بدءا من السادسة مساء عندما تستدير الشمس معلنة انتهاء وهج أشعتها. فما ان ينتعش الطقس بفضل نسمات المساء العليلة حتى تجد المواطن في بومرداس يتجه تلقائيا إلى أمكنة أصبحت بفعل التوافد الجماهيري عليها ملتقى اعتياديا يتجمع فيه الأصحاب والأحباب، وال''بولفار'' أهم هذه الفضاءات، وهو يمتد على طول يتجاوز كيلومترين، وعلى طرفيه فيلات شيدت كلها بداية الثمانينيات واقترن اسمها بالسكان ''السوفيات'' الأوائل المعمرين للمدينة التي كانت ملتقى سكنيا للكوادر العلمية. في بداية الشارع، نجد ساحة على اليسار تضم دكاكين متعددة الخدمات وتعرض طوال فصل الصيف المثلجات بمختلف أنواعها ونكهاتها، ذاع صيت هؤلاء الباعة منذ زمن بالمدينة وأضحى التوافد عليهم من كل صوب وحدب يحدث تذمرا مستمرا للسكان بسبب اختناق حركة المواصلات بالمكان، فالكل يريد حقه من المثلجات. ويلتقي الشباب بأقرانهم والشابات ببعضهن وحتى عائلات بأكملها بهذا الشارع، الذي يربط المدينة بالواجهة البحرية، وترتبط أطراف المدينة المترامية من جهة البحر ببعضها البعض، إذ يمكن للراجلين وهم يتنزهون مشيا ان يجدوا أنفسهم بالجهة الأخرى للمدينة التي لا يقصدونها إلا بالسيارة أو بالحافلات، غير ان حلاوة المشي الجماعي وتبادل أطراف الحديث وتناول المثلجات أو المشروبات الباردة التي تنعش الجسم، ينسيهم بعد المسافة، وحتى اختيار الجلوس على أطراف الشاطئ بالواجهة البحرية التي تعرف هي الأخرى توافد أعداد هائلة من الزائرين للاستمتاع بهدوء الشاطئ ليلا. فيه متعة كبيرة. كما يفضل البعض الآخر السهر لأوقات متأخرة من الليل وهم يجوبون طول الشارع مشيا ذهابا وإيابا للجلوس على حافة الطريق أو بمحاذاة الشاطئ، لتبادل أطراف الحديث ومناقشة ''الهموم'' اليومية التي تطرح بطريقة مملوءة بالمزاح ما يجعلها تتحول الى نكت. ويمتد السهر إلى أوقات متأخرة تزيد معه زحمة المرور، خاصة إذا مرت بالشارع مواكب الأعراس التي يعمد الشباب خلالها الى اصطحاب العريس الى البحر، وهم يغنون له أغاني لتوديع العزوبية على وقع موسيقى صاخبة تقطع سكون المكان، ويتفاعل معها جموع الراجلين على طرفي الشارع. للأسف، لا تمتلك مدينة بومرداس حدائق عمومية كثيرة حتى تقصدها العائلات ليلا، إلا تلك التي صممها مهندسو المدن قبل بناء حي أو آخر، وهي التي يطلق عليها تسمية الفضاءات الخضراء، ولكنها في الواقع غير ذلك تماما بسبب انعدام أشغال التهيئة، في ليالي الصيف تجد بعض العائلات في هذه الفضاءات مكانا للجوء إليها هربا من حرارة المنازل التي لا تطاق على الأقل في سويعات الليل الأولى، الأطفال يلعبون في الأرجوحات والمزحلقات الحديدية، فيما تنتشر النسوة في جماعات هما وهناك يتناولن المثلجات أو يرتشفن كؤوس الشاي المصحوبة ب''المقرمشات''. وما يميز وسط بومرداس عن باقي مناطق الولاية، السهرات المتواصلة التي تنشطها فرق موسيقية شابة مبتدئة ومحترفة في مهرجانات مختلفة تتواصل طيلة الليالي الصيفية وتمتد الى عشية عيد الفطر المبارك. ولذلك يتحول الملعب البلدي لبومرداس في الصيف الى قاعة حفلات على الهواء الطلق، خاصة وانه قريب جدا من الشاطئ، وهو ما يزيد من اكتظاظ المكان إلى درجة أن أصحاب السيارات والدراجات النارية يجدون صعوبات جمة للتنقل.