منذ وقت ليس ببعيد كان الذهاب إلى محلات ''الشيفون''.. أو الملابس القديمة مدعاة للسخرية والتهكم... وكانت الأسواق التي تعرض مثل هذه السلع تستقبل الفقراء والمعوزين ممن تدفعهم الضرورة القصوى والحاجة لاختيار ''الشيفون''. أما اليوم، فقد أصبحت هذه النوعية من الملابس تستقطب الكثيرين من ميسوري الحال الذين يقصدون محلات وأسواق الشيفون من دون حرج بحثا عن ملابس من ماركات عالمية لا أثر لها حتى في أفخم المحلات، وإن وجدت فهي تباع بأسعار خيالية. ويعدّ سوق بومعطي مرجعا في تجارة الشيفون وهو لذلك مقصد الكثير من العائلات في الصيف لاقتناص الفرص الجيّدة والتباهي بملابس صيفية جميلة وحتى مايوهات بدون أي عقدة. من منا لم يسمع عن سوق بومعطي للشيفون الذي يعتبر أكبر مكان لبيع الملابس القديمة... فهناك يمكنك العثور على كل أنواع الملابس بداية من رباط الحذاء إلى ربطة العنق مرورا بالملابس الداخلية وملابس مختلفة لكل الأعمار ولكلا الجنسين. توجهت ''المساء'' إلى بومعطي في جولة استطلاعية لمعرفة المزيد عن هذه التجارة والاقتراب عن كثب من زبائنها. قد يستغرب الكثير أن تكون تجارة الشيفون من أقدم الأنشطة التجارية في الجزائر، إذ كانت تمارس من وقت الاستعمار وكانت معروفة آنذاك ب(البالة الأمريكية) والبالة تعني الحزمة أي أن الملابس تصل إلى التجار على شكل حزم كبيرة مكدسة بطريقة عشوائية تصل إلى الأسواق عبر خطوط تجارية كثيرة أشهرها السلع القادمة من تونس عبر عنابة. وبحسب الباعة الذين اقتربت منهم ''المساء''، فإن مصدر الملابس هو أوروبا، وبعضها الآخر قادم من تركيا... والمعروف أن هذه الملابس قديمة أي تمّ ارتداؤها من قبل.. لكن قد توجد ضمنها ملابس جديدة لم تلبس قط. ولم تمنع حرارة أيام الصيف الخانقة الباحثين عن قطع قيمة للتوافد على المكان، فإذا كان الصيف مرادفا للعطلة والاستجمام بالنسبة للبعض، فإنه بالنسبة للبعض الآخر لاسيما من الذين يزورون العاصمة أيام العطلة، فرصة للتسوق والقيام ب''صفقات مربحة'' من خلال اقتناء ملابس جميلة وأجنبية ببضعة دنانير. وهو ما تأكدنا منه، حيث صادف تواجدنا بالمكان وصول شحنة من الألبسة المستعملة وما إن هم البائع بفتح هذه ''البالة '' حتى توافدت إليه الجموع الباحثة عن القطع المميزة وذات النوعية. حلم ارتداء الماركات يتحقق فمثل هؤلاء يعلمون جيدا أنه بإمكانهم تحقيق حلم ارتداء ملابس لماركات عالمية مشهورة مثل أديداس أو لاكوست أو لوفيس أو شانال أو كليفن كلاين.... وغيرها بفضل الشيفون، والطريف في الأمر أن الملابس المستعملة كثيرا ما تكون من النوعية الجيدة بل إن منها ما لا يمكن العثور عليه إلاّ في أسواق الشيفون، وهو ما يجعل البعض يتحدث عن قيام بعض التجار باقتناء هذا النوع من الملابس من الشيفون ثم إعادة بيعها في محلات راقية بأثمان مضاعفة على أساس أنها جديدة. حاولنا التحدث مع بعض الشباب الذين أتوا لاقتناء ما يلزمهم لكنهم تحفظوا في الحديث معنا، وانزعجوا قليلا من التقاطنا لصور في السوق... وهو أمر يعكس نوعا من عدم الاستحسان الاجتماعي لاقتناء الملابس المستعملة عند البعض وهذا راجع في كثير من الأحيان إلى الكلام والأقاويل المنتشرة عن انتقال الأمراض المعدية عبر هذه الملابس أو اجتنابا للتهكم والاستهزاء. عكس هؤلاء لم تبد فريدة ربة بيت قدمت من ولاية المسيلة خصيصا من أجل شراء ملابس لأولادها أي حرج للإجابة عن أسئلتنا عندما توجهنا إليها، حيث كانت برفقة ثلاثة من أبنائها. قالت: ''أنا أم لأربعة أولاد ليس بمقدوري توفير ملابس للجميع فالكل يريد أكثر من قميص وأكثر من سروال، الحمد للّه أن سوق الملابس المستعملة يعتبر منفذا لي فمع دخلي الضئيل لم يعد بمقدوري تحمل مصاريف البيت والدراسة إضافة إلى مصاريف الملبس، فأنا استغل الفرصة كلما حللت في العطلة ضيفة على أقاربي بالعاصمة من أجل شراء ملابس للأولاد، ولا أفوّت الفرصة لأقتني لنفسي قطعا جميلة''. وعندما سألناها إن كانت تدرك أن الأمراض قد تنتقل عبر الملابس المستعملة كانت إجابتها: ''أنا اشتري الشيفون منذ عشر سنوات ولم يحدث أن أصبت بمرض... إن المرض يأتي من السلع الصينية ومن الأحذية الصينية التي نراها في الأسواق أما الشيفون فأنا لا أخشى منه شيئا..''. ورغم خضوع تجارة الشيفون لرقابة من أجل التأكد من عدم تشكيلها أي خطر على صحة المستهلك، فإنه يمكن الجزم بأنه من الصعوبة التحكم في سير هذه التجارة لاسيما وأن بعضها يأتي من التهريب. وما يثير الاستغراب في سوق بومعطي عدد الطاولات التي تعرض ملابس داخلية للنساء والرجال والأطفال، ولا يمكننا الإدعاء بأن أغلبية الزبائن يجهلون الأخطار المترتبة عن هذا الأمر.... ولكنهم يستسهلون الأمر، ويشيرون إلى أنهم يتخذون الإجراءات الوقائية اللازمة لتفادي الإصابة بأي مرض كغسلها بمواد مطهرة أو غليها بالماء.... لكن مع حرارة الصيف التي تشكّل في حد ذاتها سببا للإصابة بأمراض جلدية يتساءل المرء عن ما يمكن أن تسببه مثل هذه الملابس لأصحابها... وإذا كان للمعوزين عذر، فما هو عذر الميسورين؟