تلعب الصورة الفوتوغرافية دورا رياديا في حياتنا اليومية في كل مناحي الحياة، فهي التي تكشف هويتنا الوطنية، وترافقتا في بطاقات التعريف وجوازات السفر ورخصة السياقة، وفي حقيبة الذكريات حيث تتربع في الألبومات لنعيش على إثرها ذلك الماضي القريب وتلك الذكريات السعيدة أو التعيسة التي مرت عليها السنون، وتقابلنا بمختلف أنواعها على أوراق المجلات والجرائد، كما أنها تعد عنصرا جماليا خالصا يزين البيوت والمكتبات والشارع أيضا عندما تقف شامخة على شكل ملصقات إشهارية سياحية تطل بين الفينة والأخرى، كما أصبحت آلات التصوير القديمة والحديثة موجودة في كل بيت كل حسب اعتقاده وقناعته الشخصية. الصورة... جزء أساسي في الحياة لا يختلف اثنان على أن للصورة مكانتها الخاصة التي لا تقهر في كل المجالات كونها السند التاريخي في دور الأرشيف، كما يعتمد عليها الباحث والمؤرخ في عملهما الجبار، ومن الناحية الإدارية هي الشاهد الذي بدونه تفقد الوثيقة الإدارية قيمتها، وبالتالي وجودها في الملف حتمي، فبطاقة التعريف أو جواز السفر بدون صورة صاحبها، تفقد مصداقيتها فهي العنصر الهام ضمن الملف الإداري أو التقني الذي يتكون من المكتوب والصورة معا، وللصورة قيمتها الجمالية من حيث كونها عملاً فنياً يستوقف النظر ويبعث الاهتمام في نفسية الأفراد ومخلدة الذكريات، فمن منا لا يحتفظ بألبوم صوره الذي يعتبر أعز ما لديه، خاصة إذا كان يحمل صور الطفولة والشباب، فالحنين الى تلك الأيام يظل ساري المفعول لدى الأشخاص لأن الأمر لا يعد مجرد ذكريات فقط، بل هو ارتباط وجداني أيضا، ويختلف ولع الناس بالصورة والذكريات فهناك من يرى أنها لا تحتاج للكثير من الاهتمام وبعض الصور تكفي، في حين يرى آخرون في الصورة عماد الذكريات وتجسيدا حيويا لواقع أو لمرحلة من مراحل العمر أو لمكان ما، ولهذا تصاحبهم آلة التصوير في كل الأماكن على غرار المطاعم، وقاعات الشاي وفي المطارات وداخل الطائرة، وفوق الجسور وعلى الجبال، وفي البحر أيضا، حيث يرى هؤلاء أن الاحتفاظ بالصور ضرورة حتمية لا نقاش فيها، وفي هذا الصدد تقول السيدة آمال أم لطفلين وموظفة ''إننا نعطي أهمية كبيرة للصورة خاصة في المناسبات الدينية والعائلية والشخصية أيضا، فلا يمكن أبدا أن أتصور أن احتفالا بعيد ميلاد ابني بدون ترسيخ تلك الذكرى من خلال التصوير الفوتوغرافي أو الكاميرا إذا كانت حاضرة، إلا أننا غالبا ما نلجأ للصورة لأسباب عديدة، خاصة أن أسعار آلات التصوير التقليدية في متناول الجميع، وخاصة ذات الاستعمال الواحد حيث لا يتعدى سعرها 250دج، كما أن الأبناء عندما يكبرون يولون أهمية للصورة ويسألون الآباء عن صورهم، وأعياد ميلادهم وأول يوم دخلوا فيه المدرسة، وأظن أن أبناء اليوم محظوظون أكثر لأن الصورة الرقمية أصبحت موجودة في كل البيوت ويتسنى للآباء تصوير الطفل عند ولادته، وهذا ما لم يكن يحدث في السابق، حيث كان الآباء ينتظرون مرور بعض الأشهر حتى يؤخذ الطفل للمصور، بسبب الخوف عليه من المرض والعين والحسد وغيرها، لكن الآن كل الشروط متوفرة للحصول على أجمل الذكريات''. أما نجية 25 سنة التي وجدت في الآلات الحديثة وعلى رأسها الهاتف النقال ملاذا للاستمتاع بمختلف الصور دون تضييع الفرص تقول''أنا أحرص دوما على اقتناء هاتف نقال من الجيل الأخير، حتى استمتع بالتقنيات المتطورة للصورة، ففي وجود الهاتف النقال يمكن استغلال الفرصة كل وقت، فعندما أشعر أنني أنيقة وجذابة لا أحرم نفسي من صورة، ونفس الأمر عندما أكون في رحلة رفقة صديقاتي أو في مناسبة خاصة، حيث لا يكلفني الأمر أكثر من التصويب والضغط على الزر لإرسالها عبر البلوتوث للمصور لاستقبالها على شكل صور أحتفظ بها في ألبومي الشخصي . يوسف 22 سنة طالب جامعي يهوى تصوير المناظر الطبيعية الخلابة يقول ''أكثر شيء اعشق الاحتفاظ به هو صور الطبيعة من جبال ووديان وأنهار وبحار، خاصة أنني من هواة الأسفار لهذا أحمل آلة التصوير الرقمية التي أهداها لي والدي في عيد ميلادي وألتقط أجمل الصور، ثم احتفظ بها في ''الفلاش ديسك '' أو القرص المضغوط، ثم أخرجها عند المصور في الوقت المناسب، إلا أن الأمر الذي يعاب على الوسائل التقنية الحديثة هو أنه من الممكن جدا أن تضيع كل الذكريات بالضغط على زر واحد، أو حين يتعرض القرص المضغوط للتلف''. الآلات الرقمية تحرم المصور مهامه وإذا كانت وسائل التصوير الحديثة ذات أهمية كبيرة لدى الأشخاص فإنها تشكل خطرا مهنيا على المصورين وأصحاب استوديوهات التصوير، وفي هذا الصدد يقول السيد عثمان من استوديو بوزيان محمد السوق الكبير بشارع أودان ''لقد فرضت حيثيات العصر الحديث تغيرات كثيرة في مختلف المجالات، ففي السابق كانت محلات التصوير تستقبل الأفلام السلبية للتحميض، وتستقبل الأطفال أيام العيد والمناسبات الخاصة، إلا أن هذا الإقبال قد قل بسبب وسائل التصوير الحديثة على غرار الهاتف النقال وآلات التصوير الرقمية، بحيث أصبح الزبون يحضر قرابة 20 صورة بعدما عمل على اختيار الأحسن طبعا بعد مشاهدتها على جهاز الكمبيوتر، ففي السابق كان الشخص يخرج الشريط السلبي كاملا بكل ما يحمله من أسرار وصور''. وحول الصور المطلوبة حاليا قال السيد عثمان ''لم تعد صور الذكريات الشخصية مطلوبة بقوة بعدما أصبح الواحد يأخذ صورا بنفسه، لكن لازال وجود مسحة المصور ضروريا في الكثير من الصور الإدارية ومنها صور بطاقة التعريف وجواز السفر وكذا بطاقة الشفاء التي تحتاج لخلفية بيضاء اللون''. أما رضا مصور بعين النعجة فقد أبدى استياءه من الوسائل الحديثة ويقول ''صراحة لقد أصبحنا شبه عاطلين عن العمل بسبب غياب الزبائن بحيث لا يطرق بابك سوى زبون أو اثنين يطلبان الصور الإدارية أو إخراج بعض الصور التي يحملونها في جهاز USB، حتى الإقبال على الآلات ذات الاستعمال الواحد أصبح قليلا مقارنة بالسنوات الماضية، فقد كانت تلك المصورة صديقة العائلة في كل الظروف، لكن اليوم أصبح في مقدور كل شخص يمتلك مصورة رقمية أو جهازا نقالا أن يصور لنفسه أو يعتمد على صديقه أو فرد من أفراد عائلته، وهذا ما صعب مهنة المصور في أيامنا هذه''. الصورة في الصحافة بين الأمس واليوم تعتبر الصورة الفوتوغرافية مادة أساسية من مواد الجريدة أو المجلة ولم تعد عنصراً جمالياً فقط، بل هي عنصر إعلامي وظيفي، وهي خير تعبير عن الأخبار والأحداث، فهي تعطى تفاصيل أكثر دقة، كما أن الصورة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسيكولوجية الإنسان، وتحل له بعض المتطلبات النفسية والعقلية، والصورة الحديثة أيضا عرفت تغيرات كثيرة، حيث أصبح المصورون الصحفيون يعملون بأحدث الوسائل، حيث يتسنى للمصور الحصول على أحسن الصور حتى وسط الظلام نظرا للتقنيات العالية التي تتمتع بها الصور الرقمية. ويرى ''مصطفى'' مصور صحفي صاحب خبرة 27 سنة في الميدان أن المصور فقد حلاوة المهنة في السنوات الأخيرة، بسبب الآلات الحديثة التي سلبته مهمة التأطير والإضاءة وأصبحت هي المسؤولة على كل شيء، يقول ''في السابق كان من الممكن جدا التفريق بين المصور الجيد والمصور الذي لا يتقن فنيات التصوير، بحيث كانت الصورة التقليدية أصدق تعبيرا عن الفارق، كما أننا كنا مطالبين بتقديم صورة جيدة حول الموضوع الذي نذهب لتغطيته، ويقدم لك فيلم يضم 12 صورة وأنت مطالب بتقديم الصورة الأفضل، لهذا كنا نبذل كل ما في وسعنا لتقديم صورة تخدم الموضوع وتشد انتباه القارئ، بالنسبة لي تقنيات التصوير بالأمس أفضل، فأنا شخصيا كنت أجد متعة خاصة أثناء عملية تحميض الصور، فمع ولادة كل صورة كنت أشعر أن مهمتي على أحسن وجه، علاوة على ان الشريط السلبي كالذهب، يبقى دوما حيا ويمكن استخراجه في أي وقت، كما أن نوعية الورق كانت في المستوى فقد صادف ان بعض أنواع الورق كانت تفوح بعطر الورد، على عكس آلات التصوير الحديثة ووسائل التخزين الحديثة بحيث يتلف القرص او يعطل جهاز التخزين usb فيضيع كل شيء.