في الوقت الذي تصر فيه الأطراف الفرنسية المتطرفة على تمجيد الفترة الاستعمارية في الجزائر من خلال الادعاء بالمآثر الحضارية التي خلفتها، مازالت فضائح تلك الفترة، رغم مرور عقود من الزمن تطفو على السطح لأشخاص كانوا يدعون شيم الإنسانية خلال ممارسة مهامهم المدنية، التي ما كانت في الحقيقة سوى محاولة لإخفاء باطن الأمور بجرائم ارتكبوها في حق الآلاف من الجزائريين . فقد كشفت حصة بثتها أول أمس القناة الفرنسية ''فرانس 2 ''حول دور الرئيس الفرنسي الأسبق خلال الثورة التحريرية استنادا للكتاب الذي أصدره مؤخرا المؤرخ بنيامين ستورا تحت عنوان ''ميتران وحرب الجزائر'' جزءا بسيطا من الحقيقة التي يرفض بعض الفرنسيين الإقرار بفظاعتها وعلى رأسهم شخصيات تدرجوا في مناصب سامية. وقد كان الرئيس الأسبق الراحل ميتران نموذجا لهذا التناقض أو لنقل محاولة لطمس الحقائق التاريخية في سبيل خدمة مصالح سياسية، وتجلى ذلك في حرصه خلال توليه منصب وزير العدل سنة 56 لمدة 500 يوم على ممارسة أبشع وسائل التعذيب في حق الجزائريين، إذ أثبتت وثائق تاريخية رفضه آنذاك قرار العفو عن 45 جزائريا موقوفا حكم عليهم بالإعدام وكان من بينهم المناضل الفرنسي فرنان ايفتون. وفي المقابل يظهر الشريط حوارا لميتران خلال ترشحه لرئاسيات فرنسا عام 81 وهو يبدي إيمانه الكبير بالقيم الإنسانية عندما سئل ما إذا كان سيلغي قرار الحكم بالإعدام لو نجح في الرئاسيات، مشيرا إلى أن ضميره ومعتقداته الكاثوليكية وقناعته بما تتضمنه المواثيق الدولية لن تدفعه سوى ألى إلغاء القرار. فليس مفاجئا أن نشهد مثل هذا النفاق السياسي عندما يتعلق الأمر بخدمة المصالح الشخصية، لكن من المرارة أن نشهد برودة تعامل المسؤولين الفرنسيين في التعاطي مع الحقائق التاريخية لاسيما فيما يتعلق بالتنكيل والدوس على حريات الجزائريين دون رحمة ولا شفقة ،،لكن أمثالهم كثر رحلوا دون ان ينصفوا التاريخ الذي لن يغفرلهم.