كشف صيادلة تحدثت ''المساء'' إليهم أن قرابة 75 من المواطنين يتقدمون إليهم ليس لطلب الأدوية فقط، بل لتشخيص حالاتهم المرضية بدل الذهاب الى الطبيب، مثل حالات الزكام والسعال والتهاب اللوزتين، وذلك هروبا من دفع ثمن الاستشارة الطبية، بالرغم من إمكانية التردد على المؤسسات الاستشفائية العمومية المجانية، غير أن تراجع المستوى المعيشي للمواطن جعله يفضل التردد على الصيدلي وشراء الدواء انطلاقا من فكرة معرفة هذا الأخير بالداء والدواء.. أصبحت أغلبية الصيدليات عيادات طبية توفر استشارات طبية تحدد الدواء المطلوب للمرضى، حيث يلجأ الكثير من المواطنين إلى الصيدلي لتشخيص الدواء المناسب لحالته المرضية دون استشارة طبيب هربا من تكاليف الاستشارة الطبية التي ارتفعت قيمتها لتجاوز عتبة الألف دينار لدى بعض الأخصائيين ، بينما يثق مواطنون آخرون في الصيدلي من منطلق معرفته بالداء والدواء. ''المساء'' استطلعت آراء عدد من الصيادلة الذين تباينت آراؤهم حول مدى شعورهم بالرضا عن قيامهم بدور الطبيب في الكشف على المريض بحكم التجربة، في حين يعتبر بعضهم الآخر ذلك تدخلا في عمل الطبيب، وما عليهم سوى بيع الدواء فقط، إلى جانب آراء عدد من المواطنين الذين أجمعوا على أن الثقة بين المريض والصيدلي هي أساس التعامل بين الطرفين، فالصيدلي يمكن له التعامل مع حالات المرض الخفيفة مثل الزكام ونزلات البرد والسعال بدل اللجوء الى الاستشارة الطبية وبالتالي إهدار ميزانية الأسرة. تشخيص المرض وشراء الدواء في مكان واحد ! قال صيدلي معترفا إن حوالي 80 من المواطنين يترددون على صيدليته مباشرة دون الذهاب الى الطبيب لطلب استشارة حول بعض الأعراض المرضية التي قد تنتابهم مع صرف أدوية للعلاج، وهذا بدل اللجوء الى الطبيب توفيرا للمال، وأكد المتحدث أن المواطن لا يطلب دواء من الصيدلي إلا بعد أن يجرب وصفات الطب البديل في بعض الحالات المرضية، مثل آلام الأسنان وأوجاع الرأس والزكام، ومنها أن يجرب الليمون والعسل وبعض المشروبات الساخنة، وإذا لم تجد نفعا يتجه نحو الصيدلي ليطلب دواء أو مسكنا، كما أن عامل القلق يجعل آخرين يفضلون مباشرة شراء دواء عوض الانتظار لساعات في قاعات العيادات العمومية، كما أن هناك مواطينن يتقدمون مباشرة لشراء دواء بعينه بحكم التجربة. وأكد محدثنا أنه يبادر الى سؤال المريض سواء كانت معه وصفة طبية أم لا عن الأعراض التي يعاني منها، والأدوية التي يتعاطاها خوفا من احتمال إصابته بحساسية أو أعراض جانبية. في حين أشار صيدلاني آخر إلى أن 75 من المتقدمين إلى صيدليته يأتون ليس طلبا للأدوية فقط بل لتشخيص حالاتهم المرضية بدل الذهاب الى الطبيب هروبا من دفع حق الاستشارة الطبية، من تلك الحالات ذكر نزلات البرد وحالات الزكام والتهاب اللوزتين وآلام الضرس وأوجاع الرأس، وكذلك الفشل العام والأرق، وذكر أن مثل هذه الحالات تتطلب منه طرح أسئلة للمريض حول عمره ووزنه والأدوية الأخرى التي يكون قد تناولها، وسؤاله أيضا إن كان مريضا مزمنا ونوع مرضه وهكذا، ''إذ لا يمكن صرف الدواء اعتباطيا، وإلا فإن مسؤولية ما قد يحدث من مضاعفات ستقع علينا''، ويقول الصيدلي مضيفا ''إن البراسيتامول أو مسكنات الألم تعد من أكثر الأدوية طلبا دون وصفة طبية، تليها أقراص مضادة للزكام مثل ''جريباكس'' و''رومافاد''، ثم شراب السعال مثل ''دينورال'' و''مالوكس'' أو ''غافيسكون'' ضد حروق المعدة، وكذلك تحميلات للأطفال ضد الحمى مثل ''كلوفينال'' أو ''دوليبران'' وغيرها من الأدوية التي اعتاد الأطباء على صرفها، وتعود المواطنون من جهتهم على أخذها وبالتالي التقدم لشرائها كلما أحسوا بنفس الأعراض. خبرة الصيدلي وثقة المواطن وعلى صعيد آخر يرى بعض المواطنين أن الصيادلة يمارسون مهنتهم بشكل يوحي بخبرة طويلة في الميدان، ما يجعل المواطن نفسه يثق تماما في الدواء الذي يصرفونه له دون اللجوء إلى استشارة الطبيب، وهذا ما حدث مع مواطن بادرنا بالقول في إحدى الصيدليات: ''هناك صيادلة يحترمون المريض ليس بهدف كسبه زبونا، بل بهدف تقديم العلاج المناسب له حتى لو كان لحالات مرضية بسيطة، وهذا ما حدث معي بالفعل عندما توجهت لأحد الصيادلة أشكو من نزلة برد، وقد اعتدت تناول أدوية معينة في هذه الحالة ومنها ''البراسيتامول''، إلا أن الصيدلي بدأ بطرح الأسئلة ثم طلب مني تناول أدوية جديدة كونها الأفضل حتى الآن، وتحسنت بعدها حالتي بسرعة ليس بسبب الدواء فقط، وإنما بثقة الصيدلي في الدواء الذي صرفه لي، ما يعني أن نسبة شفاء المريض تقع على عاتق خبرة الصيدلي وليس كمية ونوعية الأدوية المتناولة''. لكن لا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لمواطن آخر قال إنه كان فيما مضى ضحية صيدلي صرف له دواء يشفيه من التهاب اللوزتين، وهو الذي كان معتادا على شراء دواء آخر من نفس الصيدلية، ''اخبرني الصيدلي بأهمية تغيير الدواء لعلاج مرضه، من دون أن يطلعني على أعراضه الجانبية والتي كان من أهمها النعاس الشديد، الأمر الذي جعلني شبه نائم خلال ساعات العمل، وأعتقد أن ذلك يعد خطأ الصيدلي لأنه لم يفكر في إعلامي بمضاعفات الدواء''، يقول المتحدث.فيما قالت مواطنة إنها لا تتقدم أبدا لشراء أدوية دون وصفة طبية حتى وإن تعلق الأمر بآلام الرأس، وذلك لاعتقادها أن المواطن يخسر ماديا مرتين كونه لا يستفيد من تغطية الضمان الاجتماعي، وبالتالي تعويض ما صرفه في شراء الأدوية، ولأنها تمتلك بطاقة ''الشفاء'' فإنها وفي كل مرة تستشير الطبيب أولا ثم تشتري الدواء بحسب الوصفة.وقالت مواطنة أخرى إن الصيدلي يمكنه أن يفيد ولكن في حالات معينة مثل السعال والزكام، ولكن يبقى الفحص الطبي ذا مصداقية أكبر.. ''صحيح أننا نلجأ لشراء بعض الأدوية في حالات وجع الرأس أو حمى الأطفال بحكم التجربة، ولكن القول إن اللجوء للصيدلي دون الطبيب يعني توفيرا للمال والوقت اعتبره خطأ، فالدواء دون وصفة طبية قد يكون بداية لأمراض أخرى خفية وتبقى المسألة نسبية لدى المواطنين''، تضيف المتحدثة. جدير بالإشارة أن بعض الصيادلة يلجأون إلى نصح المرضى الذين يعانون أمراضا مزمنة والذين يتقدم بعض منهم لشراء دواء دون وصفة طبية خاصة تلك المتعلقة بأوجاع الأسنان أو الرأس بأخذ أنواع من وصفات الطب البديل المتوفرة لديهم على شكل ''تيزانات''، وذلك للتخفيف عليهم من تناول الأدوية الكيماوية، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض المواطنين ممن يسألون هم بأنفسهم عن مستحضرات الطبيعة بدلا من الكيماويات..