صدر مؤخرا للدكتور محمودي عبد القادر، كتاب بعنوان »حوار مع مترشح افتراضي للانتخابات الرئاسية الجزائرية«، وهو دراسة أصلية من حيث الشكل وممتعة للمطالعة وغنية بالأفكار والمواقف، كما أنها موجهة سياسيا وملتزمة إيديولوجيا تثير النقاش وتوحي بتقديم اقتراحات متكاملة كانت أو متعارضة، لكنها تكتسي بدون شك أهمية مزدوجة لا تنفصل عن فحوى وطبيعة العلوم السياسية ذاتها. تسلط الدراسة بلجوئها إلى النظرية العلمية، الأضواء على بعض القضايا من جهة، وفي نفس الوقت تكشف عن الممارسة السياسية والعملية من جهة أخرى. يمنح الدكتور محمودي للطلبة والباحثين، فرصة الاحتكاك بعبارات ومصطلحات يعتبر التشبع بها أمرا حتميا لتكوينهم. يفترض ان يدرس هؤلاء مصطلحات مثل »المصلحة الوطنية«، »الوطنية«، »الشرعية«، »»التداول«، »المجتمع المدني«، »الإصلاح«، »الاستبداد«، »الحكم الراشد« ومصطلحات أخرى. كما لا تخلو الدراسة من جهة أخرى، من المراجع النظرية التي تضفي عليها فعلا صفة المحاضرة الأكاديمية. وتبقى الدراسة في متناول الطلبة والباحثين وأهل الاختصاص، فعلى سبيل المثال، لا مفر من أن يدرك هؤلاء الإطار الذي توظف فيه آليات صنع القرار ولأي غرض، كما أنه من الفائدة بمكان أن يتمتع الطالب والباحث برؤية أصيلة للعولمة وتأثيراتها على الجزائر اليوم وجزائر المستقبل. الدراسة تحوي أيضا مؤشرات عدة منها الديمقراطية بمختلف أشكالها ك »الديمقراطية الوظيفية«، »الديمقراطية المظهرية«، »المسار الديمقراطي الهدام« و»الديمقراطية غير المقننة«. إن تركيزه على التأثيرات غير السلبية في إطار فكرة »المؤامرة« الضمنية، يتضح من خلال سرعة التطرق الى الأسباب العميقة لعدم الاستقرار الخطير الذي عرفته الجزائر طوال عشرية كاملة. تتضح فكرة أو هاجس »المؤامرة« في تناول المؤلف للمجال الثقافي في برنامجه.. معتبرا الإرهاب حجة والعولمة خصما يجب مواجهتها بسلاحها. للإشارة، فإن الكتاب يعتمد على أسلوب طرح السؤال والإجابة عليه من طرف المترشح المفترض من تلك الأسئلة، مثلا سؤال جاء فيه ما يلي : »في حال ما إذا تم انتخابكم هل من معلومات حول فريقكم؟« يرد المترشح المفترض بالقول : »إنه لسؤال مهم، بل حاسم، لقد شكل موضوع دور رجل السياسة في التغيير موضوع جدل بين الثقافتين السائدتين خلال الثنائية القطبية، فإذا اعتبرت الثقافة الغربية أنه بإمكان رجل السياسة صنع التاريخ، فإن الثقافة الاشتراكية اعتبرت قدرته هذه لا تتجاوز في أحسن الأحوال تسريع التاريخ وتفعيل مساره. إن موقعي من هذا الجدل يفسر جوابي على سؤالكم ويجعلني أتبنى الأطروحتين معا، وذلك بسبب تطور الظواهر السياسية وأهمية العلاقات القادمة بين الدول. إن الرجل السياسي قادر على تسريع التاريخ كما أنه قادر على صنعه، لقد اختفى صراع الطبقات، كما أثبت التاريخ الحديث أهمية دور الرجل السياسي، بل كاد هذا التاريخ أن يقترن به. إن بصمات دوغول وروزفيلت واستالين وعبد الناصر وبومدين، لواضحة، حيث استطاع كل هؤلاء بقسط كبير، تحديد مسار تاريخ بلدانهم ومصائرها، قناعتي هي أن للإنسان دورا حاسما في هذا التاريخ إذا كان قادرا على إنتاج الفكرة أو على الأقل على تجسيدها، إن رئيس الدولة هو عبارة عن فكرة ومشروع ورجال دولة، ورجاله يمتازون بخاصية أساسية ألا وهي قدرتهم على تجسيد تلك الفكرة، إن هذه الأخيرة هي التي تحدد صلاحياتهم، ما أريد قوله هو أن المترشح للرئاسيات لابد أن يكون حاملا لمشروع، لفكرة، وأن يكون من حوله رجالا قادرين على تجسيد ذلك المشروع وتطبيق تلك الفكرة«.