تعد منطقة القبائل من أشد المناطق محافظة على تقاليدها، ويخطئ كل من يعتقد أن العولمة أو شبكات الأنترنت قد نالت من تقاليد هذه المنطقة أو أنست أهلها بعضا منها، ولعل هندام المرأة القبائلية من أشد رموز هذه المنطقة والذي بقي يحافظ على أصالته رغم التغييرات الكثيرة التي دخلت عليه، طبعا مع مواكبة رياح العصر· تمتلئ الجبة القبائلية، لباس منطقة القبائل الجزائرية المحصورة بين دلس بولاية بومرداس إلى بجاية مرورا بولايتي البويرة وتيزي وزو إلى الشرق من العاصمة، ألوانا وأشكالا، وتزينها على الأقل عشرة ألوان يختص بها العرف القبائي، بمعنى أنها ألوان تميز هذه المنطقة عن سواها من المناطق وعلى رأسها الأصفر الذي يرمز للشمس والأزرق رمز السماء والماء والأخضر رمز طبيعة المكان المخضر، وهي نفس الألوان المستعملة في تزيين الحلي الفضية للمنطقة، الإكسسوار الذي لا يمكن الاستغناء عنه عند ارتداء الجبة القبائلية سواء في الحياة اليومية أو المناسبات والأفراح· وما يزيد في جمال هذه الجبة التي تحاط من فوق على مستوى الخصر بما يسمى محليا "الفوطة" التي ترتدى فوق الجبة لحمايتها من كل ما قد يلطخ الجبة أثناء تأدية المرأة لعملها اليومي سواء داخل البيت أو خارجه، تلك الأشكال الهندسية الدائرية والمربعة والثلاثية التي تتفنن النسوة في رسمها وطرزها باستعمال خيوط تمسى "بالزفزاف" وهي خيوط مسننة الجانبين مصنوعة من القطن الخالص وبكل الألوان تحوّل الجبة القبائلية إلى لوحة فنية غاية في التناسق والجمال· والملاحظ حاليا على الجبة القبائلية أنها بدأت تعرف بعض التغييرات تماشيا مع العصر، فإذا كانت هذه الجبة قبل عقود تخاط انطلاقا من تصميم واحد وما التغيير إلا في اللون أو أشكال خيوط الزفزاف، فإنها حاليا تعرض بعدة تصاميم كأن تجدها طويلة الكمّين أي (اليدين) برقبة مستديرة أو دائرية، مثلما تكون بنصف كمّين أو من دونهما، وهو التصميم الذي لم يكن موجودا إطلاقا من قبل، لأن فتيات ونسوة المنطقة كن أكثر احتشاما ولا يتجرأن على إظهار أذرعهن عارية، بحسب شرح السيد حيمطوش محمد مصمم جبة القبائل بورشة أسيرم بمنطقة بوغني بولاية تيزي وزو، الذي التقته "المساء" مؤخرا بمعرض الصناعة التقليدية الرابع عشر بقصر المعارض· وتكون الجبة القبائلية إجبارية الإرتداء لدى عروس المنطقة وبعدة ألوان وتصميمات، وما يميز جبة العروس هو الطرز المكثف حتى لا تكاد تميز اللون الحقيقي للقماش من خيوط الزفزاف المختلفة الألوان· وتبقى الجبة المصنوعة والمطرزة يدويا الأكثر طلبا والأغلى ثمنا مقارنة بالمصنوعة بالماكنة، يضيف المتحدث، لافتا الانتباه الى إدخال اللونين الفضي والذهبي على تطريز هذه الجبة تماشيا مع الذوق العام للزبائن المحبين للتغيير والتجديد على الدوام· وقد استوحيت هذه الفكرة من اللباس التقليدي في مناطق عنابة وقسنطينة المعروف بجبة الفرفاني المستعمل في طرزها خيوط المجبود أو الفتلة المذهبة أو الفضية· كما أضيف لارتداء الجبة القبائلية منذ فترة حقيبة اليد و"البلغة" المصنوعين من قماش الحرير والمطرزين بخيوط الزفزاف تماشيا مع لون وطرز الجبة ذاتها كإكسسوارين يضافان لها، إلى جانب المنديل والفوطة اللذان عرفا من جهتهما تعديلات جديدة جاءت بها قريحة المصممين الذين زاوجوا بين الأصالة والعصرنة في لوحة جميلة تضيف جمالا آخر للمرأة القبائلية· بل ولكل من ترتدي هذه الجبة التي أضحت عالمية حاليا بحسب المصمم حميطوش بحيث لا تكاد تخلو "تصديرة" عرائس الجزائر بكامل ربوعها من ارتداء الجبة القبائلية، كما يمكن إيجادها ببلدان مجاورة مثل تونس والمغرب عن طريق التزاوج والتبادل الثقافي، كما لا تكاد تخلو حقيبة أي سائحة تحط الرحال بإحدى مناطق القبائل من هذه الجبة وبعض اكسسواراتها· كتبت "نفيسة لحرش" في باب "البلوزة القبائلية" في كتابها "تطور لباس المرأة الجزائرية" الصادر عن دار أنوثة للنشر في 2007، أن الجبة القبائلية أو "ثاقندورث" تأثرت في تطورها التاريخي باللباس الإغريقي، فالروماني، وقد تميزت "تاقندورت" بالبساطة وجمال الألوان، ويختار قماشها بحسب المستوى الإجتماعي للأسر في المنطقة، فعند البسطاء والعاملات في الريف يكون قماشها من الكتان، لكن عند العائلات الغنية وفي المناسبات يختار قماشها من الحرير الملوّن، تفصل طويلة ومسدلة الأطراف مع ضرورة لبس الفوطة فوقها، ومع التطور في التصميم والخياطة والتطريز، أصبحت البلوزة القبائلية تتمتع بكثير من الجماليات·