"بركات من كلمة منغولي، لقد تم إلغاء استخدامها في كل بلدان العالم منذ عشرين سنة... إن المنغوليين هم سكان بلد في آسيا اسمه منغوليا''... هذا ما ألح عليه السيد عمورة رئيس الجمعية الوطنية للإدماج المدرسي والمهني لمرضى التريزوميا.. وهي التسمية التي يأمل أن تسود في مجتمعنا. التقينا السيد عمورة على هامش صالون الطفولة المقام بقصر المعارض، حيث شاركت الجمعية التي يشرف عليها لأول مرة في تظاهرة عامة، رغم أنها أنشئت منذ 1992 وتقوم بمجهودات كبيرة لمساعدة الأطفال المصابين بالتريزوميا. فقبل إنشاء هذه الجمعية - كما قال - ''لم تكن هناك أي هيئة تتكفل أو ترافق هؤلاء الأطفال''، وسط حيرة الأولياء الذين يجهل أغلبهم هذا المرض وكيفية التعامل معه، ولذلك أراد محدثنا في بداية الحديث التعريف بالتريزوميا مشيرا إلى أنها ''عبارة عن إعاقة عقلية سببها ولادة الأطفال بكروموزوم زائد مقارنة بالأطفال الأسوياء''. وللمصابين بالتريزوميا يوم عالمي يصادف ال21 مارس من كل عام، وهو نفس اليوم الذي يحتفل به العالم بعيد الشجرة، لذلك اختارت الجمعية هذه السنة الاحتفال به في غابة بوشاوي، حيث قام أطفال الجمعية بحملة لغرس الأشجار بالتعاون مع مديرية الغابات للجزائر العاصمة، ومعها قد يغرس هؤلاء الأطفال أملا في غد أفضل... غد يكونون فيه مثل أقرانهم... يتعلمون ويلعبون ويعيشون في المجتمع بدون أي نظرة تعبر عن شفقة لامبرر لها. ذلك ما يوضحه رئيس جمعية ''انيت'' الذي أكد أن مرضى التريزوميا يمكنهم القيام بأعمال عديدة ونشاطات مختلفة، فضلا عن قدرتهم على تعلم القراءة والكتابة والحساب، وهي الأساسيات التي تمكنهم من العيش بصفة عادية في المجتمع. ولهذا شرعت الجمعية منذ عشر سنوات بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية في فتح أقسام دراسية خاصة بهم، حيث عرض علينا السيد عمورة مجموعة من الكراريس التي علقها بجناح الجمعية في الصالون، والتي توضح كيف استطاع العديد من هؤلاء الأطفال المتمدرسين أن يتابعوا الدروس وأن يكتبوا ويقرأوا ويجروا عمليات حسابية... لكن تبقى تلك مجهودات محصورة في الجمعية ولا يمكنها أن تمس كل المصابين بهذه الاعاقة، لذا دعا الدولة إلى التكفل بهم لتمكين جميع الأطفال المرضى كغيرهم من الأطفال الأسوياء من التمدرس بصفة عادية. وما لايعرفه الكثير من الأولياء الذين رزقوا بطفل مصاب بالتريزوميا، أن الأخير يجب التكفل به منذ أول يوم من ولادته، وهو مالم يكن يدركه محدثنا الذي رزق بطفلة مصابة بهذا المرض، واحتار وهو يرى المختصة النفسانية تكتفي بسرد قصص عليها وهي رضيعة، يتذكر ذلك فيقول ''بعد أسابيع من الذهاب والإياب عند المختصة التي كانت تكتفي بسرد قصص على ابنتي، ولأني كنت متعبا جدا سألتها ما الفائدة من فعل ذلك إنها صغيرة ولاتدرك شيئا، لكنها طلبت مني أن أسكت، مشيرة إلى أن الطفلة تفهم وتدرك كل شيء وأنها تتعلم''. ولهذا السبب أصر السيد عمورة على القول بأن التكفل بالطفل المصاب بالتريزوميا يجب أن يبدأ من أول أيام ولادته وأن يكون شاملا، باعتبار أن يوما واحدا في حياته يساوي ستة أشهر في حياة الطفل السوي. ومن هذا المنظور يبدأ الأخصائيون في الجمعية مسار التكفل بهؤلاء منذ الشهر الأول، حيث يتم الشروع في جلسات أرطوفونية خاصة بالرضع، والتي تتميز بسرد القصص عليهم. وفضلا عن الدراسة تقوم الجمعية بالتعاون مع جمعية ''شمس'' بتلقين الأطفال الموسيقى، كما توفر لهم الجو للقيام بنشاطات يدوية مختلفة لعل أهمها ''رسكلة الورق''. وقد دهشنا فعلا ونحن نرى الصور المعروضة في الصالون والتي توضح كيف يقوم الأطفال برسكلة ورق الجرائد القديمة ويحولونه باستخدام مواد كيماوية إلى أوراق جديدة يستخدمونها لإلصاق صور أو زهور جافة، وحتى للرسم بالحبر الصيني. وبإصرار كبير قال السيد عمورة ''إننا نعمل حتى نضمن للمصاب بالتريزوميا مكانة له في المجتمع، بعيدا عن نظرات الشفقة أو الازدراء أحيانا''. من جانبها قالت السيدة ملال وهي المسؤولة البيداغوجية للجمعية ومختصة في علم النفس الإكلينيكي، إن التكفل بمرضى التريزوميا يبدأ في حقيقة الأمر بأوليائهم ''الكثير من الأولياء لايعرفون أي شيء عن هذا المرض، كما أن بعض الأطباء يعلنون لهم بصفة فظة عن إصابة أطفالهم بهذه الإعاقة دون شرح للموضوع، وهو ما يجعلهم في حالة حيرة وأحيانا في حالة صدمة، ويعتقدون أن أطفالهم لا يمكنهم القيام بأي شيء، لذلك نقوم أولا بإفهامهم وشرح ماهية التريزوميا، ونساعدهم على تقبل الأمر''. وتبدأ عملية التكفل بالأرطوفونيا، ثم يجتاز الطفل في سن السادسة امتحانا للالتحاق بإحدى المدارس، لكن محدثتنا ترى أنه من الضروري تقديم مساعدات للجمعية من أجل تمكينها من التكفل بالأطفال المصابين بالتريزوميا. وعن الصعوبات التي تلاقيها في مهامها، أشارت محدثتنا إلى أنه لا توجد صعوبات خاصة بهم، ولكنها كأخصائية نفسية تواجه مشاكل مع المرضى تتمثل في اضطرابات نفسية تصيب كل الأطفال في مثل عمرهم.