أجمعت فعاليات سياسية واقتصادية أمس على أهمية فتح حوار واسع على كافة المستويات يجمع كل الكفاءات الوطنية من أجل المساهمة الإيجابية في الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في خطابه الأخير، وزرع الثقة في نفوس الجزائريين وبالتالي تجنيب الجزائر ما لا يحمد عقباه الذي تسببه حالة الانسداد الحاصل بين الطبقة السياسية والمواطن من جهة، وتفشي الأمراض الاجتماعية من جهة أخرى. وأشار المشاركون في الندوة التي انتظمت بمنتدى جريدة ''المجاهد'' حول ''دور الاستقرار السياسي في بعث التنمية الإقتصادية'' إلى انه ينبغي على الأحزاب السياسية أن تتهيأ لهذا الحوار من خلال الاستعداد للنزول إلى القاعدة، كما ينبغي على جمعيات المجتمع المدني أن تفرض نفسها في الساحة الوطنية في إطار نفس المسعى. وضمن هذا المنظور اعتبر الخبير الإقتصادي عبد المالك سراي أن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة قال ضمنيا في خطابه الأخير الموجه للأمة، ''لقد رفعت عنكم العراقيل السياسية فاعملوا وشاركوا في تحقيق نهضة البلاد''، مذكرا في نفس الصدد بأن الجزائر التي أصبحت أكبر ورشة على الساحة المتوسطية، سخرت موارد استثنائية بلغت خلال العشرية الأخيرة حوالي 600 مليار دولار، من اجل دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير أن نجاح هذه البرامج -حسبه - يستلزم بالضرورة وجودا سياسيا حقيقيا وناجعا. وأشار المتحدث في نفس السياق إلى أن الحكومة التي وجدت نفسها تعمل لوحدها دون مساعدة من الفعاليات الوطنية الأخرى، ''وصلت إلى حد وضع قرار اقتصادي كل أسبوع للاستجابة لأوضاع ظرفية أو طارئة، وهذا دليل حسبه ''على أننا لا نملك نظرة واضحة المعالم واستراتيجية اقتصادية نعتمد عليها على المديين المتوسط والبعيد''. كما اعتبر السيد سراي أن الوقت حان للأحزاب السياسية والحركة الجمعوية كي تستيقظ، وتساهم في رسم السياسيات الوطنية للدولة، ''وبهذا الشكل يمكن أن نتفادى الذهاب كل سنة إلى إقرار قانون مالية تكميلي يستجيب لوضع ظرفي''، مستخلصا أن الجزائر تمتلك كل الإمكانيات المادية والبشرية لإحداث نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية، يمكن تحقيقها إن ساهمت القوى السياسية في وضع استراتيجيات واضحة المعالم، كما دعا الإدارة إلى الكف عن الإستفزاز من خلال التمادي في البيروقراطية، والإسهام الفعال في إطفاء فتيل الانفجار بدلا من إشعاله''. من جانبه، اعتبر رمضان تعزيبت النائب عن حزب العمال أن الاستقرار الحقيقي، هو إرساء دعائم دولة الحق والقانون والحريات، مشيرا إلى أن الجزائر تعيش حاليا مرحلة محورية، يمكن من خلالها الانتقال إلى مرحلة جديدة تاريخية، إن أحسن استغلال توظيف كل الكفاءات وأشركت كل الفعاليات الوطنية بما فيها المواطن البسيط في تحديد المعالم الكبرى لهذه المرحلة. وبرأي المتحدث، فإن تنظيم الحياة الإقتصادية يستدعي وضع استراتيجيات فعالة وتفادي الحلول الترقيعية التي يتم اللجوء إليها لمعالجة أوضاع ظرفية، معتبرا في هذا الصدد أن الميزانيات الضخمة التي خصصتها الدولة لآليات التشغيل والتي بلغت حسب تقدير الخبراء 5,5 ملايير دولار، ''كان يمكن توجيهها للنهوض بالمؤسسات وبعث المصانع المعطلة، ومنها تشغيل أعداد معتبرة من الشباب العاطل عن العمل. وفي حين دعا السيد بن ساسي زعيم رئيس المجلس الوطني الاستشاري للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في نفس اتجاه سابقيه، بدعوته إلى نقاش موسع وحوار يجمع كل الفعاليات الوطنية من اجل وضع سياسة واضحة لإنشاء المؤسسات، ومضاعفة فرص استحداث مناصب الشغل، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة استئصال البيروقراطية من خلال استعمال كل الوسائل اللازمة بما فيها العقاب، اعتبرت السيدة نصيرة حداد ممثلة جمعية النساء أرباب العمل، أن لجوء الدولة إلى إنشاء الآليات الوطنية لدعم تشغيل الشباب هو مرحلة لا بد من المرور عبرها لترقية التشغيل في أوساط الشباب، على اعتبار أن هذه الآليات تمنح المستفيدين التأطير التقني اللازم، وتحضر لاكتساب الخبرة المهنية اللازمة، كما اعتبرت بأنه من حق السلطات العمومية أن تتدخل لفرض إجراءات حمائية من خلال قانون المالية التكميلي وذلك ضمن واجب الدفاع عن المصالح الوطنية وحماية الاقتصاد الوطني، مقدرة في نفس الوقت بأن الحركة الجمعوية في الجزائر تؤدي دورها على أكمل وجه، ''حتى أنها استطاعت ان تأخذ دور الأحزاب السياسية في العديد من المهمات'' وأن المهم ان يصغى لها وللانشغالات التي تعبر عنها باسم من تمثلهم في المجتمع. وشددت المتحدثة في سياق متصل على ضرورة تحرير الحياة الإقتصادية من خلال الانتقال من المنطق الإداري إلى المنطق الاقتصادي في التسيير، محذرة من استمرار مظاهر البيروقراطية التي قتلت الحياة الإقتصادية، على حد تعبيرها، في حين ان القضاء على هذه البيروقراطية سيسهم بشكل أساسي في القضاء على باقي الأمراض الاجتماعية الأخرى كالرشوة والفساد.