يحطّ المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة في دورة خاصة بجوهرة الغرب الجزائري احتفاء بتتويجها عاصمة للثقافة الإسلامية، محمّلا بعدد من المحطات الإبداعية التي تعود بالأسماع إلى زمن الفن الجميل والإبداع المتجدّد الذي سيوقّعه عدد من الفرق المتخصّصة القادمة من مختلف أقاصي العالم لإثراء المخزون الموسيقي العالمي. وفي هذا الصدد، أكّد محافظ المهرجان السيد رشيد قرباص أنّ تلمسان لعبت بكلّ براعة دورا محوريا كعاصمة مغاربية ومتوسطية، حيث ذاع صيت شعرائها ووسّعوا من رقعة الثقافة العربية، كما شكّلت نوبات الموسيقى الأندلسية جوهر النماذج العلمية في تاريخ الموسيقى العالمية، مشيرا إلى وجود جهل كبير بمساهمة الغجر، المهاجرين والرحّالة في إثراء الموسيقى الأندلسية، حيث لعب الغجر دورا كبيرا في نشر شتى الطبوع الموسيقية التي حملوها معهم في شتى ربوع المعمورة، وحتى قبل ظهور الطرق السريعة للمعلومات والرقمنة، كان الغجر همزة وصل وتلاقح بين مختلف الشعوب. ومن هذا المنطلق يراد من المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة أن يكون فضاء ديناميكيا لتقاسم الإبداع وللإثراء الثقافي وتبادل التجارب والخبرات، حيث يمكن التعرّف عن كثب على الكنز الموسيقي مع إحقاق الحق لصاحبها وجعل هذه التظاهرة السنوية مساحة حيث تأخذ هذه اللغة العالمية الإنسانية معانيها، خاصة وأنّ الموسيقى الأندلسية قد قطعت أشواطا معتبرة نحو الرقي والتطوّر رغم الصعوبات التي واجهتها. سهرة الافتتاح سيحييها كلّ من الجوق الجهوي لمدينة تلمسان تحت قيادة ياسين حماس وجوق ''طرب'' من إيران، وستكون تخليدا لروح رضوان بن صاري، أمّا السهرة الختامية فستكون من توقيع الجوق المغاربي تحت قيادة الأستاذ رشيد قرباس، لتليها سهرات تخليدية أخرى، حيث ارتأت محافظة المهرجان إلاّ أن تحمل كلّ سهرة اسما من الأسماء المميّزة في الخزّان الأندلسي الجزائري على غرار يحيى وبلقاسم غول، عبد الكريم دالي والشيخ العربي بن صاري والمعلمة طيطمة. الدورة الخاصة للمهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة التي يحتضنها قصر ''الإمامة'' بتلمسان من السابع والعشرين أفريل الجاري إلى غاية السادس ماي المقبل، سيعرف مشاركة عددا من الفرق المختصة والأسماء اللامعة في هذين الطابعين الأندلسي والعتيق، كما سيكون موعدا لفتح نقاشات متخصّصة بين المشاركين والجمهور الحاضر. ومن بين من سيتداولون على خشبة ''قصر إمامة''، سيحضر من الجزائر كلّ من إسماعيل حاكم (تلميذ الأستاذ دحمان بن عاشور)، جمعية ''مقام'' من قسنطينة الفائزة بالجائزة الأولى في المهرجان الوطني للمالوف، العربي غزال في المالوف، جمعية ''احباب العربي بن صاري'' الفائزة بالجائزة الأولى في المهرجان الوطني لموسيقى الحوزي، إضافة إلى توفيق تواتي في المالوف، ''بتي موح بروجتك'' في الجاز الجزائري، والجمعية الثقافية مصطفى بلخوجة من وهران وكذا الجوق الجهوي لمدينة الجزائر تحت قيادة زروق مقداد، جمعية ''نسيم الأندلس''، عز الدين بوعبد اللّه وسيدي محمد بن ميلود، ليلى بورصالي وأحمد طالب بن دياب. ومن الأجانب، سيشارك في هذه الدورة كل من فرقة ''تامندولين'' الإسبانية (موسيقى الباروك)، الثنائي الهندي شيرين وراجانيت سانغوبتا، ميشال سادانوسكي في العزف على الغيتار والفلامنكو، جوق مدينة سوسة التونسية للمالوف، خالد أرمان من أفغانستان، عبد اللّه المخطوبي وجوق مكناس من المغرب، مين كزياو فان على العود الصيني، إلى جانب الإيطالية كريستينا بيلو على الكمان الجهير، علاوة على بيدرو جويا وريكاردو ريبايرو في الموسيقى البرتغالية القديمة والحديثة، ''شباب الأندلس'' من المغرب، الثنائي الإسباني ''أكسيوما'' في العزف على الغيتار، فرانشيسكو أوروزكو وغاريدو ألفارو في عزف على العود من كولومبيا، وجوق ''اورنينا'' في الموسيقى الحلبية القديمة من سوريا. هذا المهرجان ينظّم بهدف تثمين وتشجيع الفنانين وكذا إبراز الموسيقى الأندلسية الجزائرية العريقة المنبثقة من تاريخ الشعب الجزائري وثقافته الواسعة، وهو فضاء يلتقي فيه الطابع الأندلسي وتراث البلدان الأخرى المشاركة مثل الصين وكولومبيا وغيرهما من الدول المشاركة التي ستستفيد من امتيازات عديدة كالاحتكاك الفني بين الموسيقيين وتبادل الثقافات والأفكار لتحقيق التواصل. ويرى بعض الباحثين الغربيين ومعهم بعض المغاربيين أنّ الموسيقى الأندلسية تراث مشترك للعديد من الدول المتوسطية، يعود أصلها إلى الأندلس كمادة فنية خام، انتقلت إلى المنطقة المغاربية والعربية بعد سقوط آخر الإمارات الأندلسية (غرناطة) سنة 1492م، حيث هاجر أغلب الأندلسيين من مختلف الانتماءات الدينية، وخاصة من المسلمين واليهود، ليحطّوا رحالهم في أكثر من منطقة مغاربية وعربية. وبينما يُرجع عديد الباحثين أصل الموسيقى الأندلسية إلى الفنان الفارسي الأصل الذي يُعرف تاريخيا باسم ''زرياب''، يرفض الآخرون الاعتراف بهذا المصدر ويُرجعون أصل هذه الموسيقى إلى مصادر أندلسية، أي أمازيغية، عربية، إسبانية من الناحية العرقية، وإسلامية، يهودية، مسيحية من الناحية الدينية. وينبعي الاعتراف في هذا الصدد، أنّ ازدهار الفن الأندلسي في الجزائر، يرجع الفضل فيه لعديد الأسماء ذات الانتماء الديني اليهودي ممن يُعرفون بيهود الجزائر، أمثال إدموند يافيل، والشيخ ريمون وغيرهما. وتزخر الجزائر بثلاث مدارس كبرى للفن الموسيقي الأندلسي، تعرف الأولى باسم ''الصنعة'' وتتمركز في العاصمة ومنطقة الوسط وتتبعها بعض المناطق مثل بجاية، وتعرف الثانية باسم ''الغرناطية'' وتتمركز في تلمسان، أما الثالثة فهي مدرسة ''المالوف'' المتمركزة بقسنطينة وتعتبر الأكثر ثراء، وهي التي تتجذّر فيها المدرسة الفنية الصوفية العيساوية. وعندما المقارنة بين الطبوع الأندلسية المشرقية والمغاربية، نلاحظ بعض الاختلافات في الإيقاعات والألحان، حيث كلّما اتجهنا نحو الشرق كلما مالت الطبوع نحو المقامات الشرقية. ومع ذلك لا يختلف الباحثون أن أصل الطبوع الموسيقية العربية سواء في المشرق أو المغرب يرجع إلى الثقافة الفارسية، ولا يريد هؤلاء دليلا على ذلك سوى أسماء الطبوع والمقامات التي ترتبط كلها باللغة الفارسية، مثل الجاركاه (الجاركة)، والسيكاه (السيكة أو الصيكة)، والراست (الرصد) وغيرها.