كثيرا ما يشدّ انتباهنا مشهد حشود هائلة من الناس تنتظر أمام الحافلة في المحطات، بينما يسترسل صاحب الحافلة في استقطاب أكبر عدد ممكن من الركاب.. تمر الدقائق الواحدة تلو الأخرى لكن لا حرارة الطقس ولا شيخوخة الكبار تشفع في ترويض جشع بعض أصحاب حافلات النقل الخاص، ولا حتى وجود أعوان المراقبة في المحطة يحملهم على احترام مدة الانتظار المحددة قانونيا ب10 دقائق... ومع استمرار هذا التسيّب يبقى السؤال المطروح: كم من الوقت يضيع يوميا من حياة المواطن الجزائري بسبب الانتظار في محطات الحافلات؟ للإجابة عن السؤال استطلعت ''المساء'' آراء بعض المواطنين لتنقل بعض صور معاناتهم اليومية بسبب الفوضى التي ما زالت تسود هذا القطاع. ترى السيدة ''حميدة'' أن أكثر ما يتعب العامل هو التفكير في وسائل النقل.. وجاء على لسانها: ''تبدأ علامات القلق في الظهور عليّ بمجرد أن يحين موعد مغادرة البيت في الصباح للتوجه نحو العمل، وهذا القلق شق طريقه إليّ منذ حوالي ثلاثة أشهر، لأن والدي الذي كان يصطحبني معه في السيارة كل صباح أحيل على التقاعد.. فبعد تقاعده وقعت في أزمة المواصلات التي لم أكن أعرفها من قبل، كوني وجدت صعوبة كبيرة في التكيّف مع واقع وسائل النقل." وتستكمل حديثها ل ''المساء'' قائلة:'' لم اعتد على الاكتظاظ الذي تتميّز به والذي يحوّلها إلى ''محشرة'' في العديد من الأحيان، فأصحاب الحافلات لا يحترمون الوقت، مما يضطرنا لانتظار حوالي نصف ساعة في المحطة، وهو ما يطبق على حافلات النقل الخاصة... والنتيجة هي أن الرحلة من بوزريعة إلى الجزائر الوسطى تستغرق ساعتين في الذهاب والإياب بدل ساعة ما يعني أن ساعتين هو مدة الوقت الذي يضيع من حياتي يوميا." وعن تأثيرات هذه المعاناة، تشير إلى أنها تصل إلى مقر العمل متعبة وتعود إلى المنزل مرهقة، لافتة إلى أنه رغم كل المجهودات المبذولة لتنظيم النقل وتحسين شروط تبقى معاناة المواطن مستمرة في غياب التنظيم واستقالة أجهزة الرقابة عن أداء دورها، ومما يزيد الطين بلة هو غياب ثقافة الاحترام لدى العديد من الركاب الذين يسارعون للتدافع بمجرد وصول الحافلة، حيث تبدأ الأجساد في التناطح دون تفريق بين الرجل والمرأة ولا بين الكبير والصغير ولا بين السوي والمعاق.. ففي تلك اللحظة تسقط الأخلاق ويصبح المهم هو الوصول إلى غاية الظفر بمقعد.. وتروي محدثتنا أن مشاهد الهمجية تكون أكثر شراسة في المساء سيما أن الجميع يدرك بأن العاصمة تنام مبكرا. مواطنة أخرى (موظفة) تشير إلى أن الحافلة تسلب من وقتها حوالي ساعة ونصف يوميا، فعندما تقل سيارة أجرة تصل إلى مقر العمل في ظرف نصف ساعة وعندما تقل الحافلة تصل بعد ساعتين من الزمن. وعن سبب هذا الفارق تقول: ''تسيّب السائقين هو السبب الرئيسي كونهم ينتظرون طويلا في كل محطة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الزبائن.. ويضاف إلى ذلك مسلسلات الشجارات التي تقوم بين بعض السائقين والركاب بسبب هذه التجاوزات، إلاّ أن استنكار العمال يجد نفسه دوما في موقع لا حياة لمن تنادي! هذه الأجواء السلبية التي تحيط بي في الحافلة تؤثر كثيرا عليّ كموظفة، حيث يسلب التوتر الناجم عن هذه المعاناة الجهد الذي يجب أن يبذل في العمل، فواقع النقل الصعب يؤثر على الأعصاب ويحطم المعنويات ويسبب لي الإرهاق، حيث أمسي غير قادرة على أداء واجباتي المنزلية، ما يضطرني للجوء إلى سيارات الأجرة في بعض الأحيان رغم أن تكاليفها تحدث ثقبا في الميزانية بحسب المتحدثة. ويقول السيد ''صهيب'' ل ''المساء'': ''ساعة من الزمن تضيع يوميا من حياتي بسبب ذهنيات السائقين الذين يستهويهم تكديس حافلاتهم بالركاب فيتوقفون في المحطات وغير المحطات غير مكثرتين بانشغالات المواطن وبالوقت الضائع الذي يفترض استثماره في أشياء مفيدة''. ويضيف أنه رغم تزويد عدة محطات رئيسية بأعوان مراقبة لتنظيم مواعيد انطلاق الحافلات وعدم السماح لأصحابها بالمكوث طويلا، إلاّ أن علاقات الصداقة التي تنشأ بين الطرفين مع مرور الوقت تدفع بعون المراقبة إلى التغاضي عن تجاوز السائق لوقت الانتظار المحدد ويبقى الضحية هو العامل الذي عليه أن يستعد لتوبيخات المسؤولين في كل مرة. أوووو...ف" طويلة كان رد فعل السيدة ''أم سلوى'' التي تقطن بالضاحية الشرقية للعاصمة، تصرح: ''أفضل استخدام القطار، لكن عندما اضطر لاستعمال الحافلة أذهب إلى المحطة عن كره شديد نظرا للسيناريو الذي ينتظرني هناك.. حوالي 40 دقيقة انتظار داخل الحافلة في العديد من الأحيان ولا ينطلق السائق غالبا حتى يندلع الشجار بينه وبين الركاب وهذا برأيي إجحاف في حق المواطن." وتذكر ''أم سلوى'' أنها لا تحب تضييع الوقت، لكن لا مجال لتطبيق مبدأ استثمار الوقت بأتم معنى الكلمة في حياتها اليومية بسبب الطاقة الجسدية والنفسية التي يهدرها يوميا نكد المواصلات.. وتتابع: ''أحلم أن أعيش الوقت الضائع في المنزل.. استغراق مدة ساعتين للوصول إلى المنزل ''بزاف''!!... النقل يستهدف حياتنا مما يؤثر مباشرة على المزاج، إذ أصل إلى العمل متأخرة ومنهكة وأحيانا أذرف الدموع بسبب ضياع الوقت."