يجد الزائر متعة في جواله بربوع مشتلة "رأس العين" التي تعد الأقدم في تاريخ البستنة بوهران، والتي هي بمثابة متحف مفتوح يزخر بشتى أنواع النباتات، وتعتبر هذه الرقعة الخضراء المصممة في شكل حوض، شاهدا ومثالا حيا على ولع الوهرانيين بالاخضرار، هذا الحب الذي خف لسنوات عاد بقوة في الفترة الحالية، وتجسد في إنشاء مشاتل خاصة وبروز مُشتلين جوالين بمختلف الأسواق الشعبية. الجدير بالذكر أن هذه المشتلة المنشأة في سنة 1937 بالحي الشعبي "رأس العين" القابع بسفح مرتفع "المرجاجو" بقيت تحافظ على الإبداعات التي رسمتها أنامل جيل قديم تفنن في "صناعة" أنواع الزينة الطبيعية وابتكار تشكيلات رائعة وباقات من الأزهار والنباتات التي ازدانت بها العديد من مقرات الهيئات وحواف الشوارع والأرصفة، لا سيما في المناسبات والأحداث الوطنية. ويرتبط تاريخ هذه المشتلة الشاهدة على مختلف مراحل تطور المشاتل والمساحات الخضراء بالولاية بتقاليد الأحياء الشعبية المجاورة، لاسيما حي "الصنوبر" (بلانتور سابقا) الذي عرف بأحواشه الخضراء وبساتينه الفيحاء قبل أن يغزوه الإسمنت المسلح نتيجة النزوح الريفي وأزمة السكن على حد تعبير أحد سكانه. ويستمتع المارون بالقرب من هذه المشتلة الواقعة على ارتفاع 85 مترا بسفح جبل مرجاجو ولو لبرهة من الزمن بجمالها واخضرارها المترامي على مساحة تقدر بحوالي 3 هكتار حسب مسؤولة القطاع الحضري السيد جميلة بودشيشة. وتوفر هذه المساحة الخضراء التي تجود بحوالي 50 صنفا من النباتات والأزهار بمختلف أنواعها وأشكالها، من أشهرها "عش العصافير" و"القرنفل" و"الأقحوان" ...الخ على بيوت زجاجية ستنبت فيها الغرسات وكذا مربعات للورود مصممة في تناسق متناه، وأخرى لتكاثر "الفسيلات"، وتنتج هذه البقعة الخضراء المعتمدة على نظام السقي بالقنوات والتي يشرف على متابعتها طاقم من التقنيين والعمال مؤهلين ما بين 30 ألف و40 ألف نبتة ووردة سنويا لتموين مختلف الزبائن ومنهم خاصة الإدارات والمؤسسات الوطنية. ومن رحم هذه المشتلة التي لها باع طويل في إنتاج النباتات والورود وفي بستنة المدينة والحدائق والمساحات الخضراء، ولدت أربع مشاتل أخرى بالولاية، نتج إجمالا 200 ألف نبتة سنويا منها مشتلة بلدة "عين البيضاء" بدائرة السانية جنوبوهران. وعلى الرغم من تزايد عدد المشاتل بوهران شهدت مشتلة رأس العين إقبالا لامتناهيا من قبل الزبائن، أغلبهم من ممثلي هيئات وإدارات، مما جعل أحد المهتمين بعالم البستنة يقول إنه بات من الضروري التفكير في بيع منتوجات هذه المشتلة للخواص للرفع من مداخيل البلدية وتطوير هذا النشاط وتنويع وتجديد نباتاته بأغراس أخرى. وتستقبل هذه المشتلة سنويا أعدادا كبيرة من المتربصين المختصين في علم البستنة من مركزي التكوين المهني الكائنين ببلدة "مسرغين" وببلدية "حاسي بونيف" لتلقينهم تكوينا ميدانيا بعد أن تلقوا تكوينا نظريا. للإشارة فإن ولاية وهران حصلت في أولمبياد سنة 2009 التي نظمتها وزارة التكوين والتعليم المهنيين على الجائزة الأولى في اختصاص البستنة، وأكثر من هذا فبعد أن ظلت مهن البستنة حكرا على الكبار أصبحت تلقى اهتماما كبيرا من قبل الشباب الذين اتخذوا منها مصدر رزق، ومن مساحات بأسواق الخضر فضاء لعرض"أغراس" نباتات للبيع. وفي هذا الشأن يرى لحسن، وهو شاب يجوب المنازل لتقليم الأشجار أو تشذيبها وهو يتأبط جرابه الذي يحوي سلاحه الوحيد "مقص" أن التحضير المادي مكلف. ويجمع العارفون بشؤون البستنة على أن انتشار المشاتل مرتبط بمدى وعي واهتمام المواطنين بتزيين مساكنهم، ما من شأنه أن يساهم في الاستغناء عن النباتات البلاستيكية التي اكتسحت محلات الديكورات في السنوات الأخيرة حسب ما أكده ميلود، وهو شاب كان يبيع مثل هذه الأنواع من النباتات الاصطناعية وانتقل إلى بيع النباتات الطبيعية. من جهة أخرى فإن مهرجان الورود الذي نظمته ولاية وهران بالتعاون مع البلدية في صائفة كل سنة يشكل فرصة للتعريف بالخدمات التي تقدمها المشاتل، منها مشتلة "رأس العين"، وبعلم البستنة الذي أخذ يزدهر بالولاية التي هي قادرة على طوير هذا الفن لاسيما باعتبارها منطقة سياحية جلب العديد من السواح من الوطن وأجانب.