''ياحسرة على أيام زمان حين كانت الفتاة تجلس على النافذة تشاهد أمواج البحر وهي ترتدي أجمل حلة تقليدية، وتطرز قطعا جميلة وهي تنتظر - البحري - الفتى البحار الذي يسافر بعيدا ثم يعود، فيجدها تنتظره بفارغ الصبر من وراء الشباك''... كلمات التقطناها صدفة ونحن نزور قصر رياس البحر من لسان سيدتين كانتا تستمتعان برؤية البحر من نافذة القصر، وكانت تلك بداية حديث جمعنا بهما حول حياة المرأة بين الأمس واليوم وقيمتها الاجتماعية. مادفعنا أكثر إلى التقرب من السيدتين مخلوفي وخلوي هو قولهما إن قيمة المرأة كانت بالأمس أفضل بكثير من اليوم! استغربنا لهذا الرأي باعتبار أن التغيرات الحاصلة في بلادنا فتحت للمرأة آفاقا جديدة، أصبحت بفضلها تحتل مكانة هامة في الكثير من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، واصبحت شريكة للرجل في تحمل مسؤوليات الحياة، واستعادت حقوقا كانت الى وقت غير بعيد لاتتجرأ حتى على المطالبة بها. فأجابت السيدة خلوي عن تساؤلنا قائلة ''نعم بالامس كانت للمرأة قيمة اكبر، رغم ان الامر كان يبدو غير ذلك.. المرأة كانت تحتجب من الغرباء ولاتعمل لكن ''أهدر يحضر'' كما نقول في العاصمة، أي ان أي شيء تطلبه من زوجها يلبيه لها، كانت كالملكة في بيتها.. في الصباح تؤدي أعمالها المنزلية وفي المساء تتفرغ لنفسها، فتعتني بجمالها وبشكلها.. المرأة كانت محترمة من جيرانها، وإذا مرض زوجها يؤدي الجار دوره، لا تشعر أبدا أنها محتاجة لأي شيء.. كل ذلك دون أن يراها أو يكون بينهما أي اتصال مباشر.. فالحرمة حينها كان لها معنى''. توافقها السيدة مخلوفي الرأي مبدية اقتناعها الشديد بأن أيام زمان كانت ميزتها الرئيسية هي ''المعيشة الحلوة، والقلب الحنون الذي لايملك شيئا يمكنه أن يأكل ويلبس''. وتذهب المتحدثة في اتجاه آخر لتؤكد أن العلاقة بين الرجل والمرأة تغيرت، وهو ما اثر على قيمة المرأة اجتماعيا، وهي ترى ان السبب لايتحمله الرجل فقط بل كلا الطرفين ''اليوم نسمع كثيرا عن علاقات بين رجال ونساء تدوم لسنوات لكن بمجرد حدوث الزواج تبدأ المشاكل وقد يتم الطلاق في أقل من عام.. أنا لا ألوم الرجل أو المرأة بل كلاهما، نحن نعيش في زمن طغت فيه الأنانية والماديات، الجيل الحالي تخلى عن أصالته وتراثه، في الماضي كان الرجل عندما يقبل على الزواج يدرك أنه مقبل على تحمل مسؤوليات كثيرة، لأن المرأة لم تكن تعمل وهذا لم يكن يعني أنها مذلولة، بل بالعكس الرجل مطالب بأن يمنحها معيشة رغدة وان يوفر لها كل حاجياتها وليس الأكل والشرب فقط... اليوم نلاحظ ان الأدوار انقلبت، الكثير من الرجال يجلسون في البيت ويتركون عبء المسؤوليات داخل وخارج البيت على عاتق المرأة التي نجدها تصارع الحياة بين أشغال البيت والسوق والعمل والعناية بالأطفال.. وإذا اشتكت أو قالت ''أف'' يهددها باستبدالها بامرأة أخرى.. الرجل الآن يريد التحكم في المرأة دون تأدية واجباته، وهذا ما أسميه رجولة في غير محلها، بل أؤكد ان بعض الرجال اصبحوا عالة على نسائهم لذلك نلاحظ ان هيبة الرجل وقيمته تزعزعت''. وتعتبر ان هذا الواقع اثر على مؤسسة الزواج، حيث أصبح ينظر الى عقد الزواج أو العلاقة الزوجية نظرة سطحية جدا من الجانبين، فالزواج بالنسبة للكثيرين أصبح مجرد عرس وزغاريد، أما المسؤوليات فتتم مجابهتها بعد ذلك وهو ما يؤدي إلى النزاعات وفي كثير من الأحيان إلى فشل العلاقة. وإذ تشير السيدتان الى انه لايمكن بأي حال من الأحوال تعميم الاحكام على كل الرجال، إلا أنهما تعبران عن اقتناعهما بأن الهروب من المسؤولية أصبح بمثابة ظاهرة يجب الانتباه إليها ومعالجتها. وبالنسبة لعمل المرأة، فإنه حسبهما سيف ذو حدين، فتقولان ''صحيح أن المرأة استقلت بنفسها بعد دخولها سوق العمل، لكنها بالمقابل زادت العبء على نفسها''، هذا لايعني معارضتهما لعملها خارج البيت ولكن كثرة المسؤوليات على النساء تجعل بعضهن يشعرن بالحنين الى الماضي. بالمقابل تشيران إلى ان المرأة أحيانا تساهم في التقليل من قيمتها الاجتماعية من خلال بعض التصرفات والسلوكات التي أبعدتها عن مبدأي ''الحشمة والحياء''. ولعل ذلك - بحسب رأي المتحدثتين - السبب وراء حالة الخلط التي نراها في الشارع، إذ يلاحظ ان بعض الشباب يعاملون كل النساء بنفس الطريقة غير اللائقة والبعيدة عن كل احترام ''أصبحت كل النساء في سلة واحدة.. أصبحنا نتعرض لمضايقات خاصة إذا توجهنا الى أماكن الاستجمام كالبحر، حيث نلاحظ أنه لم يعد هناك احترام للعائلات كما كان الحال أيام زمان حين كنا نقصد الشواطئ وحتى السينما ولا أحد يزعجنا''. ويطرح هنا إشكال ''التربية والأخلاق'' كما تشيران، فهما لب المشكل وهما الدواء كما توضح السيدة مخلوفي قائلة ''مشكلتنا أننا في الجزائر لم نتمسك بأي شيء لا أصالتنا وقيمنا ولاقيم الآخرين، كان الاستعمار الفرنسي كارثة بالنسبة لنا لأنه استهدف ثقافتنا، ولكن بعد الاستقلال لم نستطع تدارك الأمر ولم نحدد مانريد، فلا تمسكنا بتراثنا وأصالتنا ولاتبنينا قيما أخرى''. كما ترى الامر من زاوية اخرى وهي فقدان العاصمة لخصوصيتها كمنطقة لها عادات وتقاليد مميزة مثلها مثل مناطق أخرى من الوطن. وتعتبر أنه من الضروري جدا الحفاظ على خصوصيات كل منطقة وعادات وتقاليد أهلها، وبالرغم من ان العاصمة مقصد لكل الجزائريين، فإن لسكانها نمطا معيشيا معينا يجب الحفاظ عليه، وذلك من خلال الحفاظ على الإرث المعماري والثقافي لها، ومن الضروري بمكان - تضيف - أن يأخذ المسؤولون المحليون هذا الجانب بعين الاعتبار لاسيما بعد التدهور الكبير الذي نشهده اليوم في المحيط العمراني وفي الشوارع العاصمية ''القصبة تأكل نسيجها العمراني والنظافة غابت... لايجب ان ننظر الى المطالبة باحترام خصوصية كل منطقة على انه ضرب من ضروب الجهوية، ولكن كما نقول: اللي ما يعرف قيمة الطير يشويه'' . سألنا السيدة خلوي عن رؤيتها للمستقبل فاعتبرت أن العودة إلى الأصل دون إهمال الحداثة التي لايمكن في كل الاحوال تجاهلها هو اهم علاج للمشاكل التي تعيشها الاسرة الجزائرية عموما وليس المرأة فقط، وتبقى التربية المبنية على الاخلاق الحميدة النابعة من تراثنا وإرثنا الحضاري أهم حل، لكنها تعترف بأن الامر غاية في الصعوبة بالنظر الى ماوصلت اليه الامور، وليس امام جيل اليوم الا النهل من ثقافته ودينه. تتدخل السيدة مخلوفي للتوضيح'' نعم يجب ان نتمسك بديننا، لكن بالدين الحقيقي وليس الدين الذي اصبح ينادي به البعض، لقد كثرت الفتاوى لدرجة اصبحنا فيها نحتار من بعض البدع الجديدة في مجتمعنا... وأود القول إن بعض الالبسة المنتشرة والتي يقال إنها اسلامية بعيدة عنا بل هي اجنبية... الدين الاسلامي اعطى للمرأة حريتها وحقوقها كاملة وأعطاها مكانة راقية، ودليلنا في ذلك كيفية معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه.. لو أجرينا مقارنة مع معاملة الزوج لزوجته حاليا سنجد فرقا كبيرا، كما ان مفهوم القوامة الذي يتحدث عنه الرجال يفهم في كثير من الاحيان بطريقة خاطئة أو لنقل ناقصة لأن القوامة مرتبطة بالنفقة''. في كل الأحوال، التغيرات حصلت ولايمكن العودة الى الوراء، ولكن كل ما قيل حول يوميات الجزائريين لاسيما في العاصمة يدعو الى التساؤل، والبحث بصفة خاصة عن أسباب وتأثيرات هذه المتغيرات في المجتمع الجزائري. سألنا ''فريدة.م'' وهي إعلامية وكاتبة مهتمة بقضايا المرأة عن رأيها بخصوص قيمة المرأة بين الأمس واليوم فردت علينا قائلة: ''قيمتها من قبل كانت بادية في التماسك الاجتماعي والأسري الذي كان قويا وهو ما أعطى للمرأة هيبة من خلال أوصياء أوفياء للرجولة والتقاليد، وأثناء الاحتلال الفرنسي تعمقت قيمة المرأة كونها قدمت تضحيات جليلة للوطن وناضلت إلى جانب الرجل، ومن عمق احترام الرجل للمرأة في التعامل معها جاءت لفظة ''أختي''، ثم اشتغلت المرأة في زمن يعيش تناقضا في الحريات ومع ذلك ظلت بهذه القيمة''. وبالنسبة للوقت الراهن ترى أن ''المرأة الجزائرية عادت تكافح لاستعادة حقوق كسبتها منذ زمن لتراجع الحريات والتطرف الديني الذي أعاد تضييق الخناق على المرأة والدليل أن أغلب الفتاوى التي تصدر تخص المرأة، رغم أن المجتمع المدني والحكومة الجزائرية اشتغلت على قضايا المرأة من خلال مراجعة بعض القوانين وإعطائها فرصا قوية في التمكين السياسي، أما اجتماعيا تجدين الهفوات في قيمة المرأة بين المحافظة والتحرر والتزمت''. من جانبها تعتبر السيدة نصيرة كداد رئيسة المجلس الوطني للأسرة والمرأة ومديرة السكان بوزارة الصحة أن الحديث عن هذا الموضوع ليس بالأمر الهين، إذ تقول ''أعتقد أن الإجابة عن هذه المسألة لايمكن أن تكون بأي حال من الأحوال سطحية أو ذاتية لأنه يجب الرجوع الى دراسات علمية وتحقيقات نوعية. يجب ان نجمع مختلف النماذج التي تمثل المرأة للنظر في هذه المسألة، لأن التقدير يختلف بين فئة من النساء وأخرى، ولكن هناك بعض المؤشرات التي يمكن أن تتحدث بنفسها عن المسألة''.