احتل بعض الشباب كل الأرصفة والشوارع وحتى المساحات الخضراء الشاغرة القريبة من المؤسسات الاقتصادية والإدارية الكبرى لعرض خدمات »الباركينغ« على أصحاب السيارات بعد فرض »قانونهم الخاص« فلا يمكن لأي أحد أن يفكر في ركن سيارته دون دفع إتاوة تتراوح بين 50 و100 دج حسب مكان الحظيرة العشوائية.. والمذهل في الأمر أن صاحب السيارة لا ينتبه لوجود الحارس إلا عندما يهم بمغادرة المكان ليجده عند رأسه يطالب بحقه في الحراسة، وغالبا ما يكون اللقاء مشحونا لينتهي بشجار أو خسائر مادية لصاحب السيارة، في حين يجد سكان الأحياء أنفسهم مجبرين على الامتثال لقانون »محتكر« المساحات الشاغرة القريبة من الحي، يحدث هذا رغم صدور منشور لوزارة الداخلية لتأطير هذه الحظائر سنة 2006 إلا أن البلديات اليوم أثبتت عجزها عن تنفيذ القرار لأسباب عديدة حاولنا تسليط الضوء عليها من خلال هذا التحقيق. صار ركن السيارة خلال التنقلات اليومية للمواطن العاصمي يشكل هاجسا حقيقيا، انطلاقا من البحث عن حظيرة للركن إلى غاية وقوعه في شراك أصحاب »الباركينغ« الذين يفرضون »قانونهم« على العام والخاص، من خلال فرض إتاوات والتحكم في كل أرصفة الشوارع والمساحات القريبة من المؤسسات الإدارية الكبرى، حتى حظائر الأحياء السكنية لم تسلم من هذه الظاهرة، حيث يجد السكان أنفسهم مجبرين على الامتثال لمحتكر حظيرة الحي خاصة في الليل خوفا من تعرض سياراتهم للسرقة أو التخريب بفعل »فاعل«، ومن يدري ربما هو صاحب الحظيرة نفسه الذي يحاول زرع الرعب وسط السكان لإجبارهم على طلب يد المساعدة منه ليحرسها مقابل أجرة شهرية يفرضها على الجميع، وهي الفرضية الأكثر شيوعا وسط المواطنين الذين سألناهم عن علاقتهم بحراس الحظائر. وعلى حد قول العديد من أصحاب السيارات، فإن عملية ركن سيارة بالعاصمة او في أي بلدية لا يمكن ان تمر بسلام، حيث يتوقع الجميع ان تكون له علاقة مباشرة مع محتكري الأرصفة والحظائر العشوائية التي انتشرت كالفطريات، وفي هذا الشأن يقول السيد »حسين« عامل بإحدى الوزارات بقلب العاصمة أنه اضطر إلى ربط علاقة مباشرة مع أحد شباب الأحياء الفرعية القريبة من مكان عمله ليحرس سيارته مقابل أجرة شهرية تصل إلى 1000 دج، والسبب على حد تعبيره هو غياب حظيرة بالقرب من مكان عمله من جهة، وقلقه الشديد من إمكانية سرقة أو تخريب سيارته مستذكرا قصة احد زملائه الذي اضطر في إحدى المرات إلى ركن سيارته في احد الأزقة ليجدها في المساء وقد سرقت منها عدة اكسسوارات بالإضافة إلى المذياع والعجلات، في حين يؤكد »فارس« عامل بمؤسسة نفطال أنه يفضل التنقل إلى مقر عمله عبر وسيلة النقل التابعة للشركة، وذلك للابتعاد عن اختناقات المرور وإشكالية ركن سيارته الخاصة التي يتركها بحظيرة الحي، لكن وبسبب مناوشات حدثت بينه وبين حارس الحظيرة وجد سيارته في أحد الأيام وقد سرقت منها مجموعة من اللواحق التي تكون في الغالب وجهت للسوق السوداء لقطع الغيار. أما »زكية« عاملة بإحدى الإدارات بساحة أول ماي فتذكر أنها مضطرة للخروج في الساعات الأولى من النهار للوصول ساعة قبل موعد بداية العمل أي على السابعة صباحا، وذلك للظفر بمكان لركن سيارتها بالقرب من مقر عملها، ولاتنكر المتحدثة أنها في كل مرة تهم بإخراج سيارتها تجد بعض الشباب يطالبونها برسوم الركن وهي مجبرة على الدفع خوفا من أن يصيبها مكروه أو يلحق بسيارتها، علما أنها تدري جيدا أن لا أحد كان يحرس سيارتها. وتعد المؤسسات الإدارية الكبرى كالبلديات والدوائر والمستشفيات وحتى الوزارات هدفا للشباب البطال للأحياء المجاورة، حيث يتناوبون على المساحات القريبة منها لجمع الإتاوات من أصحاب السيارات المترددين على هذه الأماكن، وحتى الشوارع الرئيسية لبلدية الجزائر الوسطى لم تسلم من هؤلاء الشباب الذين تجدهم يصولون ويجولون بين الازقة بحثا عن »فريسة« من أصحاب السيارات الباحثين عن مساحة للركن فيقومون بالاتفاق المسبق مع زملائهم بحجز مساحات بطريقة غير شرعية، مثل ركن سيارات بطريقة يُحجَز فيها مكانان لتُترك مساحة لركن سيارة ثانية بسعر 60 دج ''تدفع مسبقا'' أو 100 دج لليوم الواحد تدفع عند إخراج السيارة من الأزقة الفرعية للشارع. ولدى الاستفسار عن الأمر من »مستغلي« الأرصفة، اكد لنا أحدهم أنه يفضل أخذ تسعيرة الركن مسبقا خوفا من »هروب« صاحب السيارة قبل الدفع ومشيرا إلى أنه يتعامل مع شباب قاطن بالعمارات المطلة على الشارع ويقوم منذ الساعات الأولى من النهار بحجز بعض المساحات لنشاطه اليومي الذي لا يقل عن ركن 50 سيارة، ولا ينكر محدثنا أنه يترقب أصحاب السيارات التي تهم بالخروج لمطالبتهم بدفع »إتاوة الحراسة« علما أن المعني يقوم بنشاطه على طول الرصيف الرابط بين ساحة الأمير عبد القادر إلى غاية فندق »ألبير الأول« بالإضافة إلى بعض الأزقة الفرعية على طول الشارع. ترك مفاتيح السيارة يعني سرقتها مستقبلا ظاهرة أخرى انتشرت موازاة مع الحظائر العشوائية بقلب العاصمة وهي مطالبة الحارس من أصحاب السيارات الذين يكونون في عجلة من أمرهم بترك مفاتيح السيارات قصد إيجاد مكان لركنها، حيث يريد بعض الشباب أن يكسبوا ثقة ويتركوا انطباعا حسنا لدى أصحاب السيارات المتعودين على ركن سياراتهم بحظائرهم وذلك من خلال بعث الطمأنينة في نفوسهم في بداية الأمر وهناك من يتنقل شخصيا إلى مقر عمل صاحب السيارة ليسلم له مفاتيح سيارته، لكن بمجرد التأكد من كسب ثقة صاحب السيارة يتم إنجاز نسخة ثانية لمفتاح السيارة خاصة بعد التأكد من كل بيانات ومكان إقامة المعني، ليتم سرقة السيارة، وهي الظاهرة التي حذرت بخصوصها مصالح الأمن المواطنين، خاصة بعد أن أكدت كل التحريات المتعلقة بسرقة السيارات بأن أصحاب »الباركينغ« طرف في العملية. وكشف التحقيق الميداني الذي قمنا به أن المواطن صار الآن أمام خيار صعب، إما ركن السيارة بهذه الحظائر العشوائية مع دفع إتاوة الركن لأصحابها مهما كانت قيمتها دون مناقشة الأمر، أو مخالفة قانون المرور وهنا يتم دفع غرامة مالية باهظة تصل إلى2000 دج بعد وضع الكماشات من طرف أعوان الأمن العمومي، وبين هذا وذاك يفضل المواطن أخف الأضرار وهو التعامل مع شباب الحظائر العشوائية في انتظار الانتهاء من إنجاز أكثر من ستة حظائر بالعاصمة لامتصاص الضغط الحاصل ببلديات العاصمة. فوضى رغم توفر السند القانوني لتنظيم الحظائر راسلت وزارة الداخلية في 29 نوفمبر 2006 والي ولاية الجزائر في تلك الفترة لتسليط الضوء على ظاهرة احتلال المساحات العمومية والأماكن الخاصة بالتوقف من طرف بعض الشباب الذي فرض منطقه بطريقة غير شرعية على الجميع، دون الحصول على ترخيص إداري لمزاولة نشاط حراسة الحظائر، وحتى مداخيل نشاطهم لاتخضع لأية اعباء ضريبية لفائدة الجماعات المحلية المعنية. ومن جهته أرسل والي ولاية الجزائر برقيات لكل رؤساء المجالس الشعبية لتعريفهم بدفاتر الشروط الجديدة لتنظيم نشاط حراسة الحظائر وكيفية تأطير الشباب في تعاونيات لتسهيل تسليم رخص الحراسة، مع ضرورة الاسراع في تحديد المساحات التي يمكن أن تستغل كحظائر للسيارات طبقا للقواعد المسيرة للاستعمال الخاص للمساحات العامة التابعة للدولة وتحديد الأسعار المطبقة في الليل والنهار بالاتفاق المسبق بين التعاونية ومصالح البلدية وبالنظر إلى موقع الحظيرة وعدد المركبات المتوقع استقطابها، ويركز المنشور المرسل إلى رؤساء المجالس الشعبية على ضرورة منح الرخص لفائدة الشباب البطال القاطن بالبلدية وتحديد فترة صلاحيتها لسنة واحدة قابلة للتجديد، على أن تقوم مصالح البلدية بأشغال تهيئة أرضية المساحة المخصصة للركن، أما وضع اللافتات المحددة لأسعار الركن ليلا ونهارا فتقع على عاتق التعاونية التي تضم بين شابين وأربعة شبان يرتدون صدريات خاصة مع تقديم تذاكر لأصحاب السيارات عند ركن سيارتهم تحدد هوية التعاونية والتسعيرة المطبقة. غير أنه ورغم توفر السند القانوني لعملية تنظيم الحظائر العشوائية فإن عددا كبيرا من البلديات بالعاصمة عجزت عن تنفيذه على أرض الواقع لعدة اعتبارات، أهمها الاضطرابات الداخلية بالمجالس الشعبية المنتخبة التي حالت دون إعداد التحقيقات الميدانية اللازمة لتحديد مساحات الركن، وهو ما لمسناه ببلدية باب الزوار، بالإضافة إلى كثرة المشاكل الإدارية بالبلديات مثل باش جراح والحراش التي فضلت الاهتمام بالأسواق الموازية أولا قبل التطرق إلى الحظائر العشوائية. من جهتها تحصي بلدية سيدي أمحمد لوحدها ما يفوق 22 حظيرة عشوائية و6 حظائر ببلدية القبة. ولدى الاستفسار رأي بعض حراس الحظائر العشوائية حول عملية تنظيم نشاطهم أجمع الكل عن استحسانهم للمبادرة خاصة إذا ما تم ضمان جميع حقوقهم، حيث يقول »سفيان« الذي يقوم بحراسة السيارات بحظيرة أحد الأحياء بقلب العاصمة أنه قدم ملفا كاملا لدى الجهات المختصة لتقنين نشاطه إلا أنه لم يتحصل على رد إلى غاية اللحظة، في حين يستحسن أحد شباب بتعاونية »الجزائرالبيضاء« ببلدية بئر مراد رايس قرار الولاية بتنظيم نشاطهم الذي يزاوله مع زملائه لأكثر من سنة في ظروف جيدة بعد أن حددت لهم البلدية مساحة قريبة من بعض إدارات ومؤسسات إقليم البلدية، مما سمح بتسجيل مداخيل جيدة على حد تعبيره، غير أن ما يؤرقه وشركاؤه هو قرار إنجاز حظيرة بطابقين بنفس المساحة التي يستغلها اليوم متسائلا عن مصير نشاطه مستقبلا. بلدية الدارالبيضاء تتجاوز العقبات وتنظم 10 حظائر عشوائية تعتبر بلدية الدارالبيضاء من البلديات رائدة في تنظيم حظائرها الفوضوية، خاصة تلك التي جعلت من أرصفة حي الحميز مكانا للاسترزاق على حساب المترددين على أسواق المنطقة من تجار ومواطنين، ويقول السيد »إلياس قمقاني« رئيس المجلس الشعبي البلدي للدار البيضاء أنه التقى شخصيا بعدد من الشباب الذين كشفت التحقيقات الميدانية التي دامت ثلاث سنوات، أنهم ينشطون في اطار حظائر عشوائية عبر إقليم البلدية وهم من سكانها، لمطالبتهم بتنظيم أنفسهم في تعاونيات شبانية لتقنين نشاطهم بشرط الامتثال للقوانين المضبوطة بدفتر شروط، وهو ما تم فعلا وسمح بإنجاز 10 تعاونيات بالتنسيق مع مصالح الأمن (شرطة ودرك)، مما ساهم في توفير 60 منصب شغل قار لشباب البلدية الذين حسنوا بذلك علاقتهم مع المواطنين بعد ان تأكدوا أن نشاطهم رسمي. وحسب مسؤول البلدية، فإن التعاونيات الشبانية لتسيير الحظائر يمكن أن ترتفع في المستقبل حسب الطلبات، خاصة وأن المقاطعة تسجل دخول أكثر من ألفي سيارة في اليوم الواحد، وبالنسبة للأحياء السكنية فقد تم تنظيم عملية حراسة الحظائر ليلا بطلب من »السكان الذين قاموا باختيار شباب من سكان الحي بدون مهنة، ووافقت البلدية عليهم بعد الاطلاع على قرار مصالح الأمن، وبخصوص الضريبة المالية التي تقدمها التعاونيات لمصالح البلدية فهي تقدر ب 10 بالمائة من مدخول التعاونية في السنة الأولى، ليرتفع بين 15 و20 بالمائة في السنوات الموالية حسب مكان الحظيرة وعدد المترددين عليها. مصالح الأمن تدرس تدابير إزالة فوضى الحظائر كشفت مصادرنا من مقر المديرية العامة للأمن الوطني عن مناقشات لإعداد مشروع جديد لتسيير مواقف السيارات بالعاصمة، وتوقيف أي شخص يحاول ابتزاز مواطن عن طريق إجباره على دفع ثمن ركن سيارته في أماكن يُسمح التوقف بها فيها مثل الشوارع الكبرى، وذلك تنفيذا لتدابير المنشور الرئاسي رقم 25/2005 المؤرخ في 31 أكتوبر 2005 المتضمن الإجراءات التطبيقية الخاصة بتأطير نشاطات حراس حظائر السيارات على مستوى العاصمة. وتشير مصادرنا أنه تم منذ بداية 2007 إنشاء بنك للمعلومات يضم بيانات الشباب الذين استغلوا المساحات الشاغرة لمزاولة نشاط الحراسة غير الشرعي للسيارات، على أن تنظيم الشباب يتم من طرف مصالح البلدية، حيث تنتهي مهمة مصالح الامن في تحديد هوية هؤلاء الشباب واستدعائهم في حالة تسجيل عملية سرقة بحظيرتهم، غير أنه وبعد انتشار ظاهرة الحظائر العشوائية تقوم مصالح الأمن بالتشاور للخروج بمجموعة من التدابير لتطبق ميدانيا لوضع حد لكل الحظائر العشوائية عبر اقليم ولاية الجزائر.