لعلّ الحمامات ولعب الدومينو في المقاهي وقراءة الجرائد من الأشياء التي يلجأ إليها بعض المسنين لقتل وقت الفراغ الذي أصبح هاجسا يراود كل الشباب، ليمتد للمسنين الذين لا ينفكون عن التفكير ببرامج للتقليل من الإحساس بالضجر والملل. إن الأيام الطويلة والحرارة الشديدة التي تميز فصل الصيف أمور تستدعي التفكير فيها من خلال تسطير جملة من البرامج هدفها الرئيسي كيف نقضي أيام الصيف؟ إذ تختلف الأماكن والبرامج المخصصة للشباب وتلك المخصصة للمسنين التي تقل أو تكاد تكون منعدمة أو محدودة يمكن عدها على الأصابع، وربما يرجع السبب في ذلك لعدم الإهتمام بفئة كبار السن، وإلى عدم تسطير برامج ترفيهية خاصة بالمسنين مثلما هو الحال بالنسبة للبرامج التي يتم تسطيرها من قبل دور الشباب والرياضة من رحلات بحرية ونشاطات ترفيهية. ويفضل العديد من المسنين قضاء أيامهم الصيفية خاصة في أماكن بعيدة على ضجيج المدينة، ما يجعلها مميزة عن باقي الأماكن المقصودة من طرف فئات أخرى، كما أن الحمامات المعدنية وما تتوفر عليه من شروط الراحة والاستجمام تجعلها تتصدر قائمة الاختيارات بالنسبة لبعض المسنين ممن يبحثون عن التمتع بالمناظر الطبيعية من جهة، وعن الراحة ومداواة بعض أمراض الشيخوخة من جهة أخرى، هذا ما أشارت إليه الحاجة كلثوم التي تقصد الحمامات الطبيعية بسبب إصابتها بمرض الروماتيزم، فتقول في هذا الصدد ''إن الحمامات تجمع بين التمتع والاستشفاء وإن 15 يوما لا تكفي لأن الراحة والاستجمام الذي توفره هذه المراكز تدعو بالذي يقصدها إلى التفكير في إطالة فترة مكوثه بها، أو إعادة قصدها فيما بعد وعلى مدار السنة وليس فقط في فصل الصيف''، في حين تضيف مرافقتها التي تهوى الذهاب إلى كل من حمام ملوان وحمام ريغة ''إن قصدي لمثل هذه الحمامات أفضل من التوجه إلى البحر، إذ أن ذهابي للبحر قد يتسبب لي في أمراض سببها أشعة الشمس الحارقة التي لا ترأف'' هذا رأي محدثتينا اللتين يناهز سنهما العقد السادس من العمر. أما بالنسبة لعمي رابح باعتباره مشتركا في إحدى الفرق الموسيقية المتواجدة على مستوى دار الشباب بباش جراح فهو يقضي أيامه الصيفية بالتوجه مساء كل يوم إلى نفس المكان للتدريب على ال?يتارة، وهو بهذا يكون قد سطّر برنامجا خاصا به قد يكون مختلفا عن ما تمّ تسطيره من قبل رفاقه في الحي، بحيث أصبحوا يشكّلون ظاهرة تميّز العديد من الأحياء الشعبية، فمن منا لم يسمع صوت ارتطام القطع ببعضعها البعض ويعلو المكان صوت نقاش حاد بين المستديرين على طاولة المقهى، إنها لعبة الدومينو الشعبية التي مارستها الأجيال في أزمنة مضت ولا زالت تمارس إلى يومنا هذا. عمي الرشيد من الذين يفضلون قضاء أوقاتهم في المقاهي واحتساء القهوة ولعب الدومينو، يؤيّد ذات المتحدث فكرة قضاء الوقت في المقاهي وممارسة اللعبة باحتراف خاصة في جو تتخلله درجة حرارة عالية لا مجال فيها للانتقال من مكان لآخر، هو رأي ليس مثل كل الآراء، إذ تختلف الاختيارات والاقتراحات بمناسبة قضاء العطلة الصيفية، فهناك من يفضل قراءة الصحف تحت أشجار الحدائق العامة، وهذا ما تشهده خاصة الحديقة العامة صوفيا المحاذية للبريد المركزي، والتي تستقبل يوميا أعدادا هائلة من المتقاعدين المتصفحين للصحف، ولحسن حظهم توفر العناوين الكثيرة للجرائد اليومية متنفسا للعديد منهم إذ يصل البعض ممن لاقيناهم إلى بلوغ الحد الأقصى بقراءة 5 إلى 6 صحف في اليوم وبإطلالة دقيقة. كلها ممارسات تميّز بعض المسنين، أما البعض الآخر فيقضون أوقاتهم في المنزل مجتمعين مع أبنائهم وأحفادهم باعتبار أن العطلة الصيفية هي المناسبة للالتقاء ولم الشمل بين مجموع أفراد العائلة الواحدة فيصبح الأجداد يفضلون قضاء الوقت في مداعبة أحفادهم الذين لم يتسن لهم الوقت في التجوّل واللعب مع أحفادهم طوال السنة لظروف ترتبط بدراسة الأطفال وعمل الأولياء وغيرها من الظروف التي قد تقف عائقا أمام التقاء الأجداد بأحفادهم الصغار.