يكثر التوافد على الأسواق والمراكز التجارية في رمضان منذ أيامه الأولى بشكل جد ملفت، إذ يمكن أن تشاهد الهجوم عليها منذ الصباح في الأحياء الشعبية ممثلا في ''الاختناق المروري'' الذي يدوم على مدار الشهر.. نساء ورجال وأطفال ينزلون إلى الأسواق جماعات رغم الأجواء الحارة.. ويغص المشهد العام بالحركة كما لو أن مسابقة للتسوق قد بدأت!! ففي هذا الشهر من كل عام تنتاب حمى التسوق عدة فئات اجتماعية.. والصورة العامة للأجواء الرمضانية في الشوارع توحي بأن عمليات التسوق تلك هي تقريبا الشغل الشاغل لعدة مواطنين صباحا مساء وليلا!! ما يخلف نقطة استفهام محيرة حول سر الهجوم على الأسواق والمراكز التجارية في هذا الموسم الرمضاني؟ وبهذا الخصوص أظهر استطلاع ميداني قامت به ''المساء''، أن العديد من مرتادي الأسواق التجارية يفضلون الخروج خلال شهر رمضان المبارك من باب التسكع والتسلية.. وأشار عدد من المواطنين ممن شملهم الاستطلاع إلى أنهم يخرجون من باب الفضول والاطلاع على الجديد، خاصة في هذا الموسم الذي يتميز بكثرة المغريات، ولا يهم إن رجعوا إلى منازلهم بأيد فارغة. وتشير المعطيات المستقاة إلى أن ازدحام الأسواق والمراكز التجارية خلال شهر رمضان بات ظاهرة مثيرة للأعصاب، حيث التسكع في الأسواق بلا هدف الشراء تحت تأثير الحالة النفسية للصائم والحاجة إلى تمضية الوقت، يسبب الاختناقات المرورية والقلق سواء للمتسوقين أو للباعة، نظرا للزحمة التي أصبحت عنوانا صارخا لأماكن التبضع في الشهر الكريم... هذا الانزعاج عبر عنه أحد الباعة بسوق زوج عيون قائلا : '' ظاهرة ارتياد السوق بلا هدف تسبب الزحمة والإزعاج.. لكننا رغم كل شيء تأقلمنا معها كونها أضحت تقليدا رمضانيا." واستكمل حديثه ل''المساء'': ''عملية التسوق من أجل الفرجة أصبحت عادة رمضانية لدى بعض النساء اللواتي يقبلن على التسكع في هذا السوق أكثر من الرجال، لأن المستلزمات التي يتوفر عليها هي مستلزمات للمنزل والجنس اللطيف بالدرجة الأولى، حيث يبدأ مسلسل التجوال من الصباح إلى غاية الثالثة زوالا.. وهو موعد دخول المطبخ لإعداد وجبة الإفطار." تعترف ''أم إسراء'' أنها تتسوق ثلاث أو أربع مرات خلال الأسبوع دون أن تكون حاجة ضرورية لذلك، المهم هو أن تطلع على جديد مختلف الأسواق التي توجد في محيطها، خاصة في هذا الشهر الذي تتزين فيه الأسواق بالمستلزمات الجديدة والمتنوعة. وتقول المتحدثة أنها غالباً ما تولع بمختلف مستلزمات المنزل، خاصة الأواني والأفرشة، بل حتى الخضار والفواكه!! فيما تقر ''أم أسماء'' بصعوبة التحكم في عملية التسوق في رمضان، فتشير إلى أن ثمة فضول يقودها إلى الأسواق خلال أيام رمضان، فتتجول فيها مباشرة بعد الخروج من مقر العمل.. لكن الحال يختلف معها هذه المرة، إذ لم تعد لها طاقة بزحمة الأسواق في هذا الرمضان الحار. وتدلي الآنسة ''فهيمة'' من باش جراح بشهادتها، قائلة إن السوق في شهر رمضان المبارك، خاصة ليلا، تتعرض للغزو النسوي قبل حلول النصف الثاني من الشهر، والذي يتميز بالحاجة إلى شراء مستلزمات عيد الفطر. موضحة أن النساء يبدأن جولاتهن في المراكز التجارية بصفة خاصة خلال الفترة الممتدة من صلاة العشاء إلى صلاة التراويح دون قصد الشراء، إنما بحثا عن أجواء التسلية ورغبة في قضاء لحظات من السهر في بعض البيتزيريات وقاعات الشاي المنتشرة لشرب القهوة أو العصير أو لتناول المثلجات.. الأمر الذي يسهم في خلق جو من المتعة بالنسبة لهن.. ثم سرعان ما يأتي دور الرجال في التسكع بعد انقضاء صلاة التراويح. وبحسب عدد من الباعة بسوق ساحة الشهداء الشعبي، فمن أبرز السلع التي تجذب النساء عندما يتسوقن، الملابس والأواني المنزلية وكتب الطبخ، وهو ما أكدته المعاينة الميدانية في بعض أسواق العاصمة. يذكر بائع آخر بسوق ساحة الشهداء: ''ما أكثر المتوافدات من النساء على السوق بغرض الفرجة خلال الفترة الصباحية، وهي الظاهرة التي يشهدها النصف الأول من الشهر..''. وبحسب تقديرات ذات المتحدث، فإن حولي 20 بالمائة من المتجولات بالسوق في هذه الآونة، ينشدن تمضية الوقت بعيدا عن ملل المكوث في البيت. وبمجرد أن يتنفس السوق الصعداء من الغزو النسوي عند حدود الساعة الثالثة زوالا، يأتي دور الرجال عندما تشير عقارب الساعة إلى الرابعة زوالا، ليبدأ مشوار ''الصفا والمروة''.. وفي هذا الشأن يكشف بائع آخر بسوق ساحة الشهداء، أن عددا من الرجال يستهويهم التجوال في السوق لتمضية السويعات المتبقية من الصوم، ولا يغادرون المكان عادة إلا وهم محملون بمجموعة من ''السقايط'' التي تفقأ عيونهم تحت تأثير حالة الجوع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحلويات الرمضانية!! ويتابع ''هذه الظاهرة تزيد من حدة الاكتظاظ، غير أننا تأقلمنا مع هذا الواقع الذي أصبح جزءا من يومياتنا الرمضانية، لا سيما خلال الأسبوعين الأولين من الشهر''. أحد المواطنين صرح بأنه يتسوق يوميا في رمضان لاقتناء متطلبات المائدة الرمضانية، لكنه لم يتوان في الاعتراف بأن وجهته تكون نحو سوق الحميز في الأيام التي لا يكون فيها بحاجة إلى مشتريات، لتفقد الفواكه التي تشكل نقطة ضعفه في هذا الموسم الرمضاني. مما لاشك فيه، أن الظاهرة تستحق وقفة للتأمل ابتداء من مؤشر غياب الوعي الاستهلاكي لدى العديد من المواطنين، مروراً بالإزعاج الذي يطال الباعة والزبائن، إلى ما تكشفه من افتقار إلى ثقافة استثمار وقت الفراغ وقلة الأماكن الترفيهية.