بدأت مختلف العواصمالغربية تفكر منذ الآن في مرحلة ما بعد القذافي ساعات فقط بعد تمكن المعارضة المسلحة المدعومة جوا من طرف حلف الناتو من بسط سيطرتها على العاصمة طرابلس آخر قلاع القذافي رغم أن مصيره مازال مجهولا إلى حد الآن. ويبدو أن الدول الغربية التي دعمت المجلس الانتقالي بالسلاح والأموال وضمنت لمقاتليه الحماية الجوية في كل عملياتهم وبكيفية أضعفت القدرات العسكرية للجيش النظامي الليبي لا تحوز على تصورات واضحة لمرحلة ما بعد انتهاء عهد الرئيس القذافي. فإذا كانت القناعة واحدة بين مختلف هذه العواصم أن وحدة ليبيا يجب أن تبقى من بين أولى الأولويات وضمان انتقال سلس باتجاه الديمقراطية إلا أنها في الواقع غير مطمئنة على من يضمن هذا الانتقال. ويتأكد من خلال هذه المواقف أن الدول الغربية التي راهنت منذ البداية على المجلس الانتقالي لدواع ظرفية فإنها في الواقع متخوفة من طبيعة تركيبته التي تذهب من الإسلاميين إلى الأصوليين وإلى بقايا النظام الذين انضموا في الربع ساعة الأخير إلى جانب المعارضة إلى معارضة مقيمة في الخارج ولا علاقة لها بالواقع في داخل ليبيا وهي كلها ''توابل'' تعيق إقامة سلطة متجانسة قادرة على بناء نظام ديمقراطي بعيدا عن اية خلفيات قبلية عشائرية. وتكون هذه المخاوف التي جعلت مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي يطالب كل الليبيين بتفادي الوقوع في فخ الانتقام الذي سيفتح الباب واسعا أمام نعرات قبلية قد تعصف ب''الثورة'' و''الثوار'' وتدخل ليبيا في متاهة حرب أهلية بخلفية عرقية وقبلية. وهي المعضلة التي لم يفوت الأمين العام لحلف الناتو اندرس فوغ راسميسن الإشارة إليها وإلى خطورة استفحالها مما دفع به إلى مطالبة الحكام الجدد في طرابلس إلى التعهد بضمان عملية انتقال ديمقراطي هادئ وبعيدا عن أي فكر إقصائي وتغليب المصالحة الوطنية واحترام حقوق الإنسان''. وتلخص هذه الإشارة درجة الشكوك التي تبديها الدول الغربية في قدرة المجلس الانتقالي على ضمان هذا الانتقال السلس وجعلت الرئيس الأمريكي باراك اوباما في سياق ردود الفعل على تطورات الساعات الأخيرة يطالب المجلس الانتقالي بتأكيد قدرته في فرض سلطته على الأوضاع في ليبيا تماما كما طالبت بذلك مسؤولة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون التي أبدت هي الأخرى مخاوف من انفلات الأوضاع الأمنية ودخول ليبيا في مرحلة الفوضى الشاملة التي لن تخدم أحدا. وتخشى الدول الغربية دخول البلاد في متاهة تصفية حسابات لا منتهية بين أعيان ومستخدمي النظام السابق العسكريون منهم والسياسيون والمعارضة المسلحة التي تشعر أن النظام السابق همشها وأقصاها وزج بالكثير منها في السجون والمعتقلات. وهو الاحتمال الذي تخشاه الدول الغربية وخاصة وأن المجتمع الليبي مشكل من عشرات القبائل الكبيرة منها والصغيرة التي تتضارب مصالحها حد التناحر بعد أن تمكن العقيد الليبي من توحيدها منذ استيلائه على السلطة في طرابلس في الفاتح سبتمبر سنة .1969 وهي مخاوف تبقى طبيعية جدا وخاصة وأن الحديث يدور في ليبيا حول طموح متزايد لدى أعضاء المجلس الانتقالي في بنغازي للسيطرة على إدارة المرحلة الانتقالية على حساب الفصائل التي فتحت جبهات قتال في غرب وشمال غرب ليبيا والأخطر من ذلك فإن الخوف كل الخوف أن يتمكن الأصوليون المتطرفون من فرض منطقهم على معارضة مسلحة تفتقد للتجانس المطلوب لإقامة دولة بنفس معايير ومواصفات الدولة الحديثة.