انتقلت معركة الحسم العسكري في ليبيا إلى مدينة سرت مسقط رأس العقيد معمر القذافي الذي انهار نظامه بسقوط العاصمة طرابلس بين أيدي المعارضة المسلحة إلا ان مصيره بقي أمرا محيرا وسط حالة من الضبابية لا تزال تخيم على المشهد العسكري العام في ليبيا.فرغم سقوط العاصمة طرابلس فإن المعارك بين قوات المعارضة والكتائب التي أبقت على ولائها للعقيد القذافي لا تزال مستمرة في عدد من جيوب المقاومة خاصة باتجاه مدينة سرت مسقط رأس القذافي والتي تسعى المعارضة إلى فرض سيطرتها عليها باعتبارها آخر معاقل النظام المنهار. وفي سيناريو شبيه بذلك الذي شهده سقوط طرابلس كثف الطيران الحربي الأطلسي من غاراته على هذه المدينة الواقعة على بعد 360 كلم شرق العاصمة في خطوة تمهيدية لفتح الطريق أمام قوات المعارضة لاقتحامها. وأكد بيان لوزارة الدفاع البريطانية ان طائرات حربية بريطانية قصفت ليلة الخميس إلى الجمعة موقعا رئيسيا تابع للقوات الموالية للقذافي في سرت. وهو ما يؤكد الرغبة الملحة للدول الغربية في القضاء نهائيا على العقيد الليبي حتى وإن كان ذلك عن طريق قتله رغم أنها زعمت بداية الأزمة الليبية أن تدخلها العسكري في هذا البلد جاء بوازع إنساني لا غير. وذكر التلفزيون الرسمي الليبي ''الجماهيرية''على موقعه في ''فايس بوك'' ان الناتو ''يقصف في هذه اللحظة مدينة سرت''. وكان التلفزيون الحكومي الليبي توقف عن البث منذ بعد ظهر الاثنين الأخير اثر سيطرة المتمردين عليه. ومع استمرار التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا رغم سقوط طرابلس فقد سارعت الأممالمتحدة إلى التأكيد أنها لا تخطط لنشر قوات حفظ سلام أممية في ليبيا. وقال لين باسكو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية أنه سيكون للأمم المتحدة دور كبير في ليبيا في فترة ما بعد القذافي نافيا وجود خطط لنشر قوات حفظ سلام هناك. وجاءت تصريحات المسؤول الأممي ردا على تلك التي أدلت بها وزارة الخارجية الأمريكية التي قالت انه من غير المرجح أن يطلب المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا قوة دولية لحفظ السلام لبسط الاستقرار في البلاد لكنه قد يطلب مساعدة من الأممالمتحدة في مجال نشر قوات الشرطة. وبينما تواصل المعارضة زحفها باتجاه سرت واصل العقيد القذافي الذي فُقد كل اثر له إطلاق تسجيلاته الصوتية التي دعا من خلالها سكان العاصمة طرابلس والمدن الليبية الأخرى إلى مواجهة معارضيه. وفي تسجيل صوتي جديد بثته قناة ''الرأي'' المتواجد مقرها بسوريا قال القذافي لأنصاره ''يجب مواصلة المقاومة ضد هؤلاء الجرذان الذين سيهزمون عن طريق الكفاح المسلح''. وبالتزامن مع ذلك واصلت المعارضة المسلحة تحضيراتها لإتمام عملية الاستقرار في العاصمة طرابلس بدلا من بنغازي حيث كانت أسست المجلس الوطني الانتقالي الذي حظي باعتراف دولي على حساب النظام الليبي. وفي هذا السياق أعلن محمود شمام المتحدث باسم المجلس ان ثمانية من مسؤولي المعارضة وصلوا أول أمس إلى العاصمة من اجل التحضير للمرحلة الانتقالية. وهي المرحلة التي أبدت الدول الغربية بشأنها مخاوف متصاعدة من إمكانية عدم قدرة المجلس الانتقالي على السيطرة على جميع الأوضاع السياسية والأمنية خاصة بسبب طبيعة المجتمع الليبي الذي تحكمه الطبيعة القبلية. وهو ما جعل وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تطالب المعارضة الليبية بالتعامل بكل صرامة إزاء ما وصفتها ''بأعمال العنف المتطرفة'' مشيرة إلى الأيام والأسابيع القادمة ستكون ''حرجة'' في ليبيا. وقالت ''من الواضح ان عهد القذافي اشرف على نهايته'' ودعته وكل عائلته وكل الموالين له إلى وضع حد لأعمال العنف. وفي خطوة أخرى باتجاه دعم المتمردين الليبيين وافق مجلس الأمن الدولي على الإفراج عن 5,1 مليار دولار من الأرصدة الليبية المجمدة بهدف تمويل مساعدة عاجلة لإعادة اعمار ليبيا. وهو مبلغ قدمته الولاياتالمتحدة التي قالت أنها تريد تخصيص 500 مليون دولار منه لفائدة المجموعات الإنسانية الدولية و500 مليون لفائدة المجلس الانتقالي لصرف الرواتب وتقديم الخدمات الضرورية فيما خصصت نفس المبلغ لفائدة الصناديق الدولية لليبيا لشراء الوقود ومواد أولية ذات الأولوية. من جانبها أعلنت ايطاليا أنها أصدرت أمرا بالإفراج عن الدفعة الأولى من الأرصدة المالية المجمدة والمقدرة قيمتها ب350 مليون اورو. وكان الرقم الثاني في المعارضة الليبية محمود جبريل أعلن أمس بمدينة اسطنمبول التركية ان بقاء الإدارة الليبية الجديدة يعتمد على الإفراج عن الأصول الليبية المجمدة في الخارج. وقال خلال لقائه رئيس الدبلوماسية التركية احمد داوود اوغلو ''ان نجاح الإدارة الليبية الجديدة يتطلب رفع التجميد عن الأصول المالية''. وأضاف أن ''هذه الأرصدة ضرورية حتى تستمر الحياة طبيعيا''.