فرنسا التي سقطت عاصمتها في وقت قصير تحت أقدام الجيوش الألمانية وأصبحت كأي مدينة محتلة تعتمد حرب العصابات، هذه الفرنسا التي استعانت، بل أجبرت الشباب الجزائري على التجنيد من أجل تخليصها من الجيوش الألمانية تنكر اليوم تلك التضحيات المقدمة، بل أنكرت على هذا الشعب التضحيات التي قدمها من أجل تحريرها، عندما خرج مع بقية شعوب العالم في الثامن من ماي 1945 احتفالا بانتصار الحلفاء على النازيين وانتهاء الحرب الكونية والمطالبة بتقرير المصير، فكان الرد الإبادة وقتل الآلاف من الجزائريين المسالمين العزل، فكيف سجل الشاعر الشعبي الجزائري هذه الأحداث التاريخية، وكيف كان ينظر للاحتلال الفرنسي؟. القصيدة التي بين أيدينا تروي المأساة التي مر بها الشباب الجزائري خلال محنة الحرب العالمية الثانية (1939 1945م)، حينما كانت تشحن البواخر بهذا الشباب لتقدمه حطبا لهذه الحرب، كان ''القياد'' هم من يقومون بمهمة التجنيد ومتابعة الشباب، بل أخذه من الحقول والأعمال التي كان يقوم بها ومداهمة المنازل لتجنيد هذا الشباب، بينما كانت المناحات تعلو بيوت الجزائريين والعائلات الجزائرية، تشاهد أبناءها يساقون إلى أتون الحرب. قصيدة عثرت عليها في خزانة العائلة للمخطوطات تروي قصة هذه المأساة وهذه المحنة، بل وقصيدة أخرى تمدح هتلر وتصفه بالسلطان الفحل الذي أذل الفرنسيين ورملّ نساءهم وعزم على دخول الجزائر ملكا أو بايا عليها. القصيدة في مستهلها تلجأ إلى الله ويشكو له فيها الشاعر جور وطول الاستعمار في بقائه في الوطن، لكن كل شيء مكتوب ومسطر في قدره وهو يدخل في حول الله وقوته، كما يشير الشاعر في هذه القصيدة إلى خروجه من هذه الحرب، وأن نجاة الشباب يرجع إلى دعاء الصالحين والأشراف الأحرار، وأنهم تنبأوا بأنه ينتهي ذلك اليوم وتبقى الحرب دائرة بين الكفار، ويقصد هنا ألمانيا في دول المحور وفرنسا مع الحلف الأطلسي، ثم يذكر الشاعر تمرد هتلر على أوروبا وكيف استطاع احتلال عاصمة الجن والملائكة في خلال 24 ساعة: تقول القصيدة: ''ربي سيدي خالْقي جارْ وطوّلْ يا عالم بالكاتبة ماحي لوْزار والمكْتوب إذا أكمل واشْ أيْعطّل يتْمشى مولاه بالحول ولقدار أنايا صدّيت والحال اتْبدّل دعْوه من الصلاّح والشرفا لحرار شَيْرات الصلاّح تمْ الوعد أكْمل قدْرتْ ربّي دارها بين الكفار ثار ''اكرير'' وحرّك اَجنود واْحمل صنع مُعجّب فالسما طالق لسرار هذي رحمة كيلْفى سلطان افحل أَصْفى باري دارلو ليلة ونهار عوّلهم بالسيف بجنود وادْخل ابن الحاج اصْعيبْ شوفوا ماذا دار؟ دَلاَ دي وشْوايْعو منهم أَبْطل اتحرّك ليْهم فالسما بجنود طار اَسْبقهم قيوم فالمرسى وانْزل ضرْب المدفع لاَحْقو رَعْد وغبار أبْنات الباريز خلاّهم فَالذّل واتْبَقات أَرْجالهم مخْلاف قمَارْ جار عْليهم فَالَبْحر لامن يدخل سبق سومَرَاتْ بالمينا والنّار للجَزايَر قَالْهُم ثاني نَوْصل نجعل بن جلول بايْ على لحْرار باشْ اَنهَنّي ''لاَنْجِيري'' من هاذْ الذّل حَكم الزّور انْبَطْلُو ما يبقى عار'' الشطر الثاني من هذه القصيدة يتكلم عن الجزائر والتاريخ الذي يعود به الشاعر إلى الدولة العباسية بعلمها الأسود، وينسب بن جلول لبني العباس الذين هم من بني هاشم وعلي بن أبي طالب بطل الاسلام أبناء عمومه. هناك كلمات ينبغي شرحها: 1) شيرات: وهي من الإشارة ويقصد بها نبوءات 2) أكرير: ''إتلر'' هتلر زعيم النازية الألمانية 3) لفى: ظهر سلطان فحل هو هتلر الذي استطاع أن يصل يصفر باري في خلال 24 ساعة. 4) تحداهم هتلر الفرنسيين بالقوة ووصف هتلر ''بالحاج''، كما ذكر أحد أبرز قادة الجيوش الفرنسية وهو ''دلادي'' رغم شهرته فإنه لم يتسطع فعل أي شيء، لأن قوة ألمانيا الجوية والبحرية كانت عظيمة. 5) بنات: يقصد الشاعر النساء الفرنسيات اللواتي أبقاهن هتلر ذليلات، وهن يرين رجالهن كأنهم ''أقمار'' حُزم القمح المحصودة. 6) قيوم إسم أطلقه الجزائريون على هتلر خلال الحرب الكونية الثانية. 7) ''سومارات'' غوصات ''الميناء'' الذخائر الحربية من قنابل ومتفجرات. 8) بن جلول أحد الشخصيات السياسية الجزائرية، بايْ لقب تركي ويقصد به ملكا أو سلطانا. 9) أنهني كي أخلص ''لانجيري'' إسم الجزائر بالفرنسية ولكن بالنطق الشعبي، الذل الاستعمار الذي حكم الجزائر جورا وظلما وألحق بها العار. يتبع