شهر نوفمبر خلاصة لنضالات سبقته ومهدت أرضيته حتى أتت سنبلته بسبع سنابل حملت أكثر من مليون ونصف مليون شهيد ومئات الآلاف من الجرحى والأرامل والأيتام ،إلا أن النتيجة التي أفرزتها هذه التضحيات هي سيادة الجزائر وتخليصها من الاحتلال الفرنسي، ومن بين الرجال الذين ناضلوا من أجل الحرية المناضل بشير بومعزة الذي تودعه الجزائر في هذا الشهر النوفمبري العظيم. ليست لنا صورة واضحة عن الرجالات الذين ساهموا مساهمة كاملة في تشكيل تاريخ الحركة الوطنية سياسيا وعسكريا إلا من خلال ما ينشر في بعض صفحات الجرائد أو ما نسمعه من أفواه بعض الأشخاص من هنا وهناك. يرحل بشير بومعزة رئيس جمعية الثامن مايو1945الشاهد على المجازر التي ارتكبتها بقايا فلول الجيش الفرنسي المهزومة في الحرب العالمية الثانية والتي لم تستطع الدفاع عن الجمهورية الفرنسية أمام الجيش الألماني واستسلمت وسقطت عاصمتها باريس. الجيوش الفرنسية المهزومة في الحرب العالمية الثانية والتي أرادت الاحتفال بانتصار لم يكن من صنيعها رغم القوة الضاربة التي كانت تملكها، ورغم حطب الحرب الذي تجلبه من شباب مستعمراتها من وراء البحار إلا أنها تكبدت هزيمة، وذاقت وبال أمرها ولم تجد من تفرض عليه (سردكتها) إلا الشعوب الضعيفة المحتلة التي ساعدتها بأبنائها في التصدي إلى الاحتلال النازي، ومن هذه الشعوب الشعب الجزائري الذي ناضل نضاله العسكري والسياسي منذ معركة اسطا والي في شهر جويلية من عام 1830إلى المقاومات الباسلة التي خاضها الشعب والتي توالت إلى غاية ظهور الكفاح السياسي مع حزب نجم شمال إفريقية الداعي إلى الاستقلال. بشير بومعزة الذي ولد بخراطة سنة 1927 أي في السنة التي تم فيها إنشاء النجم، ليترعرع في ظل الحركة الوطنية الجزائرية مناضلا في صفوف حزب الشعب الجزائري وأحباب البيان وهو ما يزال في مقتبل شبابه ليشهد مجازر الثامن مايو 1945ويلقى عليه القبض ويزج به في السجون الاستعمارية، ثم يواصل نضاله بعد ذلك إلى أن تحررت الجزائر وارتفعت الراية الوطنية خفاقة عالية. هذه هي الخلاصة الوجيزة المقتضبة التي نعرفها عن حياة المناضل بشير بومعزة الذي افتقدته الجزائر هذه الأيام وافتقدت فيه رجلا مناضلا من الرعيل الأول. يمضي الرجال إلى حتفهم لكن أعمالهم تبقى شاهدة عن إنجازاتهم، وبشير بومعزة كتب اسمه في تاريخ الحركة الوطنية وفي أحداث الثامن مايو 1945 حيث أصبح قطبا يشهد له من بين أقطاب النضال الوطني بشقيه السياسي والعسكري المعادي للاستعمار والمطالب باسترجاع حقوق الشعب الجزائري كاملة غير منقوصة، ومطالبته الدائمة بالاعتراف بشهداء الثامن مايو 1945وتجريم الاستعمار الفرنسي على الجرائم البشعة التي ارتكبها في حق شعب أعزل خرج في مظاهرة سلمية مطالبا فرنسا ومن حالفها بالوفاء بوعدها وإعطاء الجزائر حقها في الحرية والاستقلال. رحم اللّه المرحوم بشير بومعزة وألحقه بالشهداء الأبرار والصلحاء الأخيار.