في هذه الحلقة الأخيرة، نقدم خلاصة القصيدة التي يصف فيها الشاعر الحرب العالمية الثانية والمأساة التي حلت بالشعب الجزائري، حيث جعلت من خيرة شبابه حطبا للحرب التي ليس له فيها ناقة ولا جمل، فكيف ختم الشاعر هذه القصيدة الإنسانية المأساوية؟. لا تغيب الثقافة الشعبية عن ذهنية شعرائنا، فالشعر يستند في قاموسه اللغوي على التراكم المعرفي الديني، لأن الشعب الجزائري ثقافته ثقافة دينية حتى وإن لصقت بها بعض ما يسمى بالخرافات والأباطيل، إلا أنها توظف هذا التراث وتضيف إليه من تجربتها، لكن نجد الشاعر يتنبأ بالثورة وبتحرير الجزائر ويبني هذه التنبؤات على ما أفرزته الحرب العالمية الثانية من تحفيز للشعوب على التحرر من الاستعمار، فبعد أن خرج الشاعر من هذه الحرب، يحمد الله سبحانه وتعالى ويتنبأ أن المعدن النفيس الذي كان مطمورا سوف يظهر، وأن البكاء والأحزان ستتحول إلى أفراح وأعراس، وكل هذه الأشياء مسطرة في قدر الله فيقول: ''وحمدناك أخالقي جلّى وجل والبكاء وأحزانا ولات خيار فالسابق والكاتبه بالك تجهل نحمد ربي كي خرجنا من البحار كل آخر الكاتبة لِيها يوصل أصْبرْنا جوَّزْنا المحْنات أمْرارْ وأيّام الشدة يْدومو على الجاهل عبادين أصنامهم صِفات أحْجار والمُومَن دارْلُو رحمة وعْقل واقْبلّو حسانْتو هو غفّار واجمعنا في طاعْتو والعبد اجْهل محدودة في آيْتو عنّا لوعار ويرى الشاعر أن كل ما مر بهذه الأمة وهذا الوطن هو أمر من قدر الله عز وجل، وأن المؤمن يبتليه الله ويمتحنه في أعماله وجهاده، وأنه معرض لتحمل الصعاب والمشاق، وأن الله خالق سبع سموات وخالق الأراضي بطبقاتها العليا والسفلى، والجبال والصحاري والقفار والأماكن المعمورة بالانسان، هو خالق هذا الانسان حتى يمتحنه في إيمانه، وأن الشقي هو ذلك الكافر الجاحد لوحدانية الله، وهذا الكافر هو الاستعمار الفرنسي الذي يدين بعبادة الأحجار والتماثيل التي ترمز للمسيح وأمه العذراء حيث يقول: ''أيّام الشَّدة يْدُمو على الجاهلْ عبَّادين أصنَامهم صِفات أحْجَار ويستعير كلمة الجهل للكفر، وهي مأخوذة من الجاهلية، والتي جاء الاسلام لإبطالها، وهي العصبية والشرك بالله. ويمضي الشاعر في تعليقه وتحليله للأحداث في ختام قصيدته قائلا: ''سبع سموات أراضي وجَبَل واجْعل برْ أمْعمّرو واخرْ قِفار من أرْبع جِهات العالي واسْفل والسعيد يْدِيرُلو جنْحا طَيّار ما يتْبقّى غير الكافر حاصل نَسْتَنَاوْ شْفاعتُو يوم المحْشار'' ويستدرك الشاعر بعد التعليقات والتحليلات عن يوم التحرير، فيراه ما يزال بعيدا، وإنما هو نظم هذه القصيدة ليروي تجربته القاسية التي عاشها في هذه الحرب الظالمة فيقول: '' خلِّي ذاك اليوم مازال اَمْطوّل أنا رَاني على الدنْيا ماذا صارْ؟'' ثم يلجأ الشاعر إلى الأولياء الصالحين، الذي يعتقد أن بدعائهم يتم الخلاص من هذه المحن فيقول: ''أنا بِيَّ فرقتي ورجال الظّل كم من والي أنعْتو عنها نعّار'' الوالي يقصد به أولياء الله الصالحين، فهم كثر في وطنه، وهم في اعتقاد الشعب يدافعون عن الوطن، ثم يذكر الشاعر رمزا من رموز هؤلاء الأولياء وهو جبل من جبال الجزائر الذي يراه مكانا يجتمع فيه الأولياء فيقول: ''أُو جْميع الصُّلاّح في الصحراء والتل واللّى فايْز فُو قْهم عالي لسوار'' ثم يختم الشاعر بذكر اسمه رامزا للحروف التي يتكون منها هذا الاسم قائلا: ''صاحب الأبيات حاء ميم ودَلْ وأهل الحكمة الفايتة ليهم لَشْعار التُرَيْعي سي احْمد جابْ وكَملْ ما طاقْ لهيبهم وزْهيرْ النّارْ قاسِيت الجِراح رَاني أَمْخبل كاسْ المحنة ضَايْقو شَاربْ لمْرار'' فصاحب القصيد هو أحمد التريعي الذي ينتمي إلى عائلة حكيمة لها الحكمة والشعر منذ القدم، فهو من كتب هذه القصيدة وهو من وصف هذه المحنة وقاس الجراح وارتشف واحتسى من الكأس المريرة. القصيدة تعد وثيقة تاريخية تؤرخ للحرب العالمية الثانية، ولكن من جانب آخر من الشعب الجزائري الذي دفع ثمنا باهظا لهذه الحرب، لكن فرنسا الاستعمارية لا تعترف بهذه التضحيات، وتنسب انتصارها على النازية لجيشها وشعبها، أما الشعوب الأخرى فلا، وهذا ما أكدته مجازر الثامن ماي .1945