الذين سارعوا إلى إطلاق مصطلح ''الربيع العربي'' على الانتفاضتين اللتين عرفتهما تونس ومصر هم طبعا ليسوا عربا ولا تهمهم مصالح العالم العربي مادام النفط ومصادر الطاقة الأخرى لا تفلت منهم. ومهما قيل في أسباب اندلاع هذه الانتفاضات وفي شرعيتها فليس من المصلحة أن تتحول نسائم هذا الربيع إلى إعصار يأتي على الأخضر واليابس ولا يعرف له اتجاه إلا الواقفون وراءه، حيث أصبحت الانتفاضات تحرك هنا وهناك وفق المزاج الغربي وطبيعة المشاكل التي يعيشها مع هذا البلد أو ذاك ودرجة خطورتها. فإذا كانت الانتفاضة في تونس قد حققت بعض نتائجها بأقل الخسائر (ولكنها خسائر جسيمة) مقارنة ببقية الانتفاضات كالتي شهدتها ليبيا وتشهدها اليمن وسوريا، فإنها قد رهنت المستقبل السياسي في مصر رغم سليمتها المعلنة لكن فاتورتها كانت ثقيلة بشريا واقتصاديا وأمنيا، ومازالت تخفي الكثير من المفاجآت. والمتأمل في بؤر التوتر في إطار ما يسمى ''الثورات العربية'' يدرك بسرعة أن المؤامراة تلعب فيها الدور الحاسم، وبخاصة نظرية الفوضى الخلاقة التي تتبناها أمريكا لإعادة رسم خريطة المشرق العربي خاصة والعالم العربي عامة فيما أطلقت عليه ''الشرق الأوسط الكبير'' بعد ''الشرق الأوسط الجديد'' الذي اقتصر في أول الأمر على محيط إسرائيل القريب. وللذين يتغنون بربيع استوردوا مصطلحه وأدموا مضمونه نقول أن الربيع بناء وليس هدما، حياة وليس فناء، ألفة وانسجام بين مكونات فسيفساء الوطن العربي وليس فرقة وتناحرا، وإلا كان الخريف أفضل بكثير من ربيع تسيل فيه الدماء والدموع..