طالب الإعلامي والباحث في التصوف والطرق الصوفية، الأستاذ سعيد جاب الخير، بضرورة العودة إلى الدين الشعبي (الصوفية) وبالأخص لمحاربة التطرّف. مؤكّدا في هذا السياق أنّ المنجز الفكري والحضاري الذي كفرّه الفقهاء أنتج عصور الأنوار بأوروبا. كما دعا إلى الاعتراف المتبادل بين الفقهاء والمتصوفة والخروج من دائرة الإقصاء والتهميش. واعتبر سعيد جاب الخير في المحاضرة التي ألقاها أول أمس بمقر ''الجاحظية'' تحت عنوان ''الدين الرسمي والدين الشعبي''، أنّ أكبر ما تفتخر به الحضارة الإسلامية أنجزه الفلاسفة أمثال ابن رشد وابن سينا. مؤكّدا أنّ فكر هؤلاء حقّق عصور أنوار أوروبا إلاّ أنّه حورب وكفرّ من طرف الفقهاء، ووصل الأمر حد تحريم دراسة الفلسفة والمنطق. بالمقابل، أشار المحاضر إلى أنّ الدين واحد إلاّ أنّ قراءات النص الديني تتعدّد وهذا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. مشيرا الى أنّه حتى الصحابة اختلفوا في قراءة بعض النصوص الفقهية والسياسية، كما طالب بضرورة الاعتراف بشرعية تعدّد قراءة النص الديني. وقال المتحدّث أنّ استعماله لمصطلح الفقيه لا يقصد منه المعنى التقليدي (الحلال والحرام)، بل يعني به كلّ من ينتج الخطاب الديني. مضيفا أنّه تاريخيا ارتبط خطاب الفقهاء بالسلطة بدليل أنّ معظمهم تناولوا في كتبهم ''باب الإمامة'' وطالبوا بضرورة طاعة الحاكم كيفما كان. وفي هذا السياق، أكّد جاب الخير أنّ الفقيه ارتبط بخطاب السلطة، لهذا فهو يمثّل الدين الرسمي والذي ما يزال إلى غاية اللحظة، إلاّ أنّه تقلّص كثيرا وهذا ابتداء من انتهاء الخلافة العثمانية وأخذ أشكالا متعددة. وأشار المحاضر الى أنّ هناك خطابات دينية مهمّشة أدت الى الحكم على أصحابها بالزندقة واحرقوا وأحرقت كتبهم من طرف اصطحاب الخطاب الفقهي الرسمي. وكشف سعيد أنّ من يمثّل الدين الشعبي، صوفية ولهم مستويات مختلفة، فهناك خطاب صوفي موّجه إلى النخبة وآخر إلى العامة. مؤكّدا في هذا الصدد أن هذا الخطاب تعرّض للاضطهاد منذ فترة طويلة ولم يستطع كسب شرعية إلاّ في بعض الفترات القصيرة ليستمر الخطاب الديني الرسمي والخطاب الديني الشعبي، الأوّل مقبول والثاني مرفوض ومن ثم يظهر في فترة من الفترات خطاب يحاول أن ينشئ هدنة بين الخطابين ويتكوّن من فقهاء تصوّفوا ومتصوّفة تفقّهوا ومن بينهم نجد مدرسة الشيخ زروق ومدرسة الشيخ عبد الرحمن الخضري. وجاء في محاضرة جاب الخير أيضا، أنّ الخطاب الفقهي في العصر الحديث أنجز بطريقة مباشرة أو غير مباشرة خطابات متطرّفة، وكانت وما تزال نتائجها وخيمة على الشعوب الإسلامية في حدّ ذاتها. أما عن مكانة الدين الرسمي وكذا الدين الشعبي في الجزائر، فقال جاب الخير أنّه في فترة الاحتلال دخل الدين الشعبي في صراع مع المدرسة الإصلاحية بقيادة ابن باديس، أمّا بعد الاستقلال لم تول الدول الوطنية أهمية للدين الشعبي وهمّشت خطابه وحظرت نشاط الطرق الصوفية، في حين فتحت مجالا للخطاب الفقهي وغضت الطرف عن الخطابات الدينية التي تستند إلى خطاب الفقهاء والتي أنتجت بعض الحركات المتطرّفة. وأكّد المحاضر أنّه لا يمكن الخروج من دائرة التطرّف إلاّ إذا أعدنا الاعتبار للدين الشعبي الذي له الحق في الوجود الشرعي الديني على المستوى النظري والتطبيق والممارسة العملية. كما دعا بإلحاح إلى تناول الشخصيات الصوفية في المقرّرات الدراسية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والإعلام. وأجاب جاب الخير على أسئلة الحضور، فقال أنّه يجب أن تكيّف المدارس الصوفية في الجزائر خطابها الفكري وأن تقوم بتحديث أساليب تفاعلها مع المجتمع، وهذا بهدف مواجهة التطرّف والتخلي عن الممارسات التي لا تعنيها في الأصل. بالمقابل اعترف المحاضر بالمواقف السياسية الجريئة لبعض الفقهاء، إلاّ أنّه صمّم على أنّ مداخلته هذه تتناول الخطاب الفقهي بالتحديد والذي طغت عليه الصبغة السياسية. كما دحض فكرة المطلقية في الصوفية وقال أنّ الصوفي عندما يفتح عليه (أي حينما يكمل تعليمه) من طرف شيخه، يصبح حرا ويمكن له أن يشّكل طريقته. وأضاف أنّ التداخل بين الصوفية والفقهاء كان بداية من نهاية القرن السابع. داعيا في هذا الصدد إلى إحداث التكامل بين الصوفية والفقهاء، والخروج من الإقصاء واعتراف كل خطاب بالآخر.