فككت الصحف المغربية أمس حقيقة تشكيلة حكومة عبد الإله بن كيران التي حازت على تزكية الملك محمد السادس الثلاثاء الماضي لتكون أول طاقم وزاري يقوده إسلامي في تاريخ المغرب. ورغم أن الحكومة جاءت نتيجة ائتلاف حكومي شكلته أربعة أحزاب سياسية وتم اختيارهم بحرية ''كاملة'' من طرف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، إلا أن الحقيقة الخفية أكدت أن الملك المغربي ترك بصمته واضحة في توزيع الحقائب الوزارية والشخصيات التي فازت بها وهو ما يعني أن البلاط المغربي حافظ على سيطرته على هذه الحكومة بطريقة التفافية وتحت غطاء الديمقراطية التي أفرزها ''إعصار'' الربيع العربي الذي كاد يزحف على المغرب لولا أن الملك استبق الأحداث وأسرع إلى إعلان إصلاحات أكدت المعارضة المغربية التي عارضت الانتخابات النيابية الأخيرة أنها صورية ومجرد ذر للرماد. وأكدت هذه الأحزاب على قلتها وحركة 20 فيفري أن الملك محمد السادس عرف كيف يتفوق على الأحزاب، بعد أن قدم إصلاحات لم تغير من المشهد السياسي المغربي شيئا، بدليل أنه حافظ على كل صلاحياته الملكية وقدم الوزير الأول ليكون في قلب دوامة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تواجه الشعب المغربي جراء الأزمة الاقتصادية العالمية. وهي الحقيقة التي خلصت إليها الصحف المغربية، أمس، عندما أكدت أن الوزير الأول المغربي الجديد سيكون مضطرا لمواجهة حكومة ظل، المقرب أعضاؤها من القصر الملكي. وأكدت صحيفة ''تل كال'' المستقلة أن العرش لم يتخل لا على وزراء السيادة من أجل إحكام قبضته على اللعبة السياسية ولا على وزرائه المنتدبين الذين سيكونون أشبه بحراس تم وضعهم في مواقع حساسة بوزارتي الداخلية والشؤون الخارجية. وذهبت الصحيفة التي تواجه متاعب متلاحقة مع المخزن المغربي أن تشكيلة حكومة بن كيران قطعت الشك باليقين أن القصر الملكي قام بتوسيع الهوة اكبر بينه وبين الديمقراطية الحقيقية. وأكدت الصحيفة الأكثر مقروؤية في المغرب وجود ما لا يقل عن خمسة وزراء ووزراء منتدبين لا ينتمون إلى أي حزب ولكنهم في الحقيقة من أقرب المقربين إلى الملك محمد السادس، وقد تم تنصيبهم في وزارات السيادة مثل الخارجية والداخلية والدفاع لمهام محددة. وكانت الإشارة واضحة باتجاه المدير العام للأمن المغربي السابق شرقي درايس الذي عين وزيرا منتدبا بوزارة الداخلية في وقت احتفظ فيه وزير الدفاع أحمد توفيق بمنصبه وعبد اللطيف اللويدي بحقيبة وزير الشؤون الدينية والأوقاف منذ حكومة عباس الفاسي. وهو الواقع الذي فضحته صحيفة ''أخبار اليوم'' المستقلة أيضا والتي أكدت من جهتها أن حزب العدالة والتنمية سيكون مضطرا إلى مواجهة حكومة ظل حقيقية عمد الملك إلى زرعها في قلب حكومة بن كيران في نفس الوقت الذي قام فيه بتعيين ترسانة من المستشارين المقربين من بينهم وزير الخارجية المغربي في الحكومة السابقة طيب فاسي الفهري وياسر زناقي وزير السياحة السابق. ولكن المفاجأة الكبرى التي احتفظ بها الملك محمد السادس إلى آخر لحظة كانت تعيينه لصديقه وزميل دراسته فؤاد عالي الهمة رئيس حزب الأصالة والمعاصرة مستشارا شخصيا له وهو الذي كان وإلى وقت قريب يريد أن يجعل منه حصانه الرابح في وجه الأحزاب التاريخية المغربية مثل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي لولا أن الأحداث التي عصفت بعدد من الدول العربية أخلطت عليه حساباته ومكنت من فوز الإسلاميين بأغلبية مقاعد اول برلمان مغربي تعددي. ولم يجد الملك محمد السادس بدا للالتفاف على هذا الواقع السياسي المفروض سوى تعيين الهمة مستشارا رئيسيا له. وإذا عرفنا أن عالي الهمة الذي سبق وأن شغل مسؤوليات أمنية في حكومات سابقة قبل أن يؤسس حزبه واضعا رهان الإطاحة بالإسلاميين ورقته الرابحة لإرضاء الملك، ندرك حقيقة الرماد الذي ذره الملك محمد السادس في أعين المغربيين الذين اعتقدوا مخطئين أنهم دخلوا بفضل دستور الفاتح جويلية الماضي عهد الديمقراطية الحقيقية قبل أن تؤكد حركة 20 فيفري الاحتجاجية أنه لم يقم سوى باستباق الأحداث وتنظيم انتخابات مسبقة لتفادي الاسوأ. وإذا سلمنا أن الملك محمد السادس نجح في رهانه بعد أن احتفظ بكل صلاحياته الملكية ولو إلى حين، فإن بن كيران سيكون اكبر الخاسرين إن هو رضخ لاملاءات وزراء حكومة الظل وبطريقة متعدية لإملاءات القصر الملكي. وإذا انتهت اللعبة إلى هذه النهاية، فإن بن كيران سيتحمل عبء حسابات القصر لأنه يبقى الرقم الأضعف في معادلة سياسية بالنظر إلى قوة المخزن وتفرعاته والشبكات التي حوّط بها نفسه، اللهم إلا إذا تجرأ ليقول ''لا'' مسموعة ورافضة كل تدخل في صلاحياته حتى وإن كانت من الملك نفسه وحينها سيجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع مشاكل مفتعلة وتجعل مشاكل المغربيين تنتظر الحل إلى حين.