أنهى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة وصفت بالمصيرية إلى العاصمة السورية لخص نتائجها برسائل طمأنة باتجاه العواصمالغربية والعربية عن حسن نية الرئيس بشار الأسد في إصلاحات سياسية على أمل إنهاء تفاعلات الأزمة التي تهز نظامه وبلده. وحتى يعطي مصداقية لمسعاه ودفاعا عن صدق نوايا النظام السوري، أكد لافروف انتهاء لجنة صياغة الدستور السوري الجديد من مهمتها وهي الآن على وشك عرضها على الرئيس بشار الأسد للمصادقة عليها قبل عرضها على استفتاء شعبي. ولم يكتف رئيس الدبلوماسية الروسي بذلك بل ذهب إلى حد التأكيد أن موسكو مستعدة للتفاوض على أساس نص المبادرة العربية التي حملتها إلى مجلس الأمن الدولي لبحث آليات كفيلة بإيجاد حل للأزمة السورية. ولكن هذه التصريحات ''الدبلوماسية'' الموجهة أساسا للاستهلاك الإعلامي تدفع إلى التساؤل حول درجة استعداد موسكو في الذهاب بعيدا في التعاطي مع المبادرة العربية وهي التي رفضتها رفضا مطلقا لأنها احتوت فقرة جوهرية أكدت على ضرورة رحيل الرئيس الأسد عبر تخويل صلاحياته لنائبه وكان ذلك بمثابة نقطة الخلاف الجوهرية التي دفعت بروسيا إلى إخراج ورقة حق النقض لمنع تمرير مشروع القرار العربي حول سوريا. وإلى حد الآن لم تكشف نتائج زيارة وزير الخارجية الروسي إلى سوريا مدى التجاوب السوري مع مطالب الجامعة العربية بعد أن اكتفى لافروف بالتأكيد أن لقاءه بالرئيس الأسد كان ''مثمرا جدا'' بعد أن أكد له هذا الأخير أنه مستعد ''لوقف العنف من أي جهة كانت''. ولكن الوزير الروسي رهن ذلك بمفاوضات مباشرة بين دمشق والمجلس الوطني السوري المعارض الذي سبق أن عارض كل فكرة للحوار ما لم يلتزم الرئيس الأسد بالتنحي الطوعي عن السلطة بقناعة انه فقد كل مصداقية للبقاء في منصبه بعد أن بلغ عدد قتلى الحرب الدائرة هناك حوالي 7 آلاف قتيل. وهي كلها حقائق تدفع إلى طرح تساؤل آخر حول ما إذا كانت مبادرة التحرك الروسية قد تجاوزها الزمن وكان يمكن أن تنجح لو أنها جاءت في بداية الأزمة وقبل أن تبلغ درجة التعفن ما وصلته الآن؟ ويبدو أن الدول الغربية استبقت نتائج زيارة المسؤول الروسي إلى دمشق وعملت على تقزيم مفعولها على الأرض بعد أن قررت تباعا ومن بروكسل ولاهاي إلى روما مرورا بباريس ومدريد ووصولا إلى واشنطن باستدعاء سفرائها المعتمدين في دمشق بمبرر ''التشاور'' على خلفية التطورات الأمنية والدبلوماسية التي يعرفها هذا البلد في الأيام الأخيرة. ورغم هذه التبريرات التي تبقى في واقع الحال مجرد عبارة دبلوماسية تستعمل عادة لتبرير قطيعة غير معلنة في علاقات الدول ولكنها في الحالة السورية قطيعة حقيقية ووسيلة ضغط غربي أرادتها هذه الدول لإحكام سيل الضغوط على دمشق والدفع بنظامها إلى الرحيل تماما كما نص على ذلك مشروع القرار الذي رعته هذه الدول بدعم عربي وعارضته موسكو وبكين بورقة حق النقض. وهو ما يؤكد أن التحركات الغربية إنما جاءت وكأنها تحركات دبلوماسية موازية للتحرك الروسي إلى دمشق وردا على فشلها في تمرير مشروعها على مستوى مجلس الأمن بعد أن اصطدم بالفيتو الروسي الصيني. ويتأكد أن الامر كان مخططا له بعد أن انضمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى مسعى العواصمالغربية وقررت هي الأخرى سحب سفرائها ''فورا'' من دمشق بمبرر ''المجزرة الجماعية التي يقترفها النظام السوري ضد المدنيين''. وعندما نربط توقيت سحب السفراء الغربيين بوصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة السورية نزداد يقينا أن قرارات العواصمالغربية هي في الواقع رسائل واضحة باتجاه روسيا أن ما فعلته في مجلس الأمن لن يثنيها عن مواصلة ضغطها إلى غاية دفعها إلى التراجع عن موقفها الرافض لكل عقوبات وكل اشارة إلى رحيل نظام الرئيس بشار الأسد. ويجب القول على ضوء تسارع الأحداث وتوالي المواقف أن مهمة لافروف في دمشق لم تكن سهلة بل أن محادثاته مع الرئيس السوري كانت مستعصية لان الرئيس بشار الأسد مطالب لان يقدم تنازلات موجعة وهو ما يعني بصورة تلقائية أن موسكو ستضطر هي الأخرى إلى تليين موقفها لإرضاء المجموعة الدولية وتخفيف درجة الضغط من حولها بعد أن ضاق مجال المناورة الدبلوماسية بالنسبة لها. وهي الحقيقة التي استشعرتها الدبلوماسية الروسية مباشرة بعد قرار الجامعة العربية بنقل مبادرتها الخاصة بإنهاء الأزمة السورية إلى مجلس الأمن لتقديم الدعم لها وهي التي كانت تأمل في أن لا تخطو الدول العربية مثل هذه الخطوة لان ذلك سيجعلها في مواجهة الموقف الذي اصطدمت به خلال الأزمة الليبية وجعلها تخسر كل شيء في بلد كان بوابتها إلى كل إفريقيا. وهو ما جعل لافروف يؤكد باتجاه الرئيس السوري أن ''كل زعيم دولة يجب أن يتحمل مسؤولياته وحان الوقت لان تتحمل مسوؤلياتك'' والرسالة واضحة أن النظام السوري مرغم على التكيف مع التطورات الحاصلة ولكنها أيضا إيحاءات روسية باتجاه الرئيس السوري أن دفاعها عنه لن يتواصل إلى ما لا نهاية وبالتالي فإن تقديم تنازلات أصبح أكثر من حتمي قبل فوات الأوان. ويبدو أن تطورات الساعات الأخيرة جعلت الجامعة العربية تلتزم الصمت ومراقبة الوضع عن كثب وجعلها تؤجل اجتماع مجلسها الوزاري إلى غاية يوم الأحد القادم بعد أن تتضح لها الرؤيا وتنجلي حقيقة مواقف كل الأطراف وخاصة معرفة النتائج التي يمكن أن تأتي بها زيارة لافروف إلى دمشق.