تعرف سوق المشروبات بالجزائر فوضى عارمة جراء العدد الكبير من العلامات التي لا تتوفر فيها الشروط المطلوبة والمعايير المعمول بها، فضلا عن النشاط الموازي الذي يزود السوق بكميات هائلة من المشروبات غير الخاضعة لمعايير الجودة. وتأخذ المشروبات بمختلف أنواعها، حصة الأسد من السوق الوطنية، بوجود ما يقارب ال 1500 علامة مسجلة، 30 بالمائة منها فقط تنشط ميدانيا، في حين تحسب البقية على السوق الموازية التي تروج لها وبأسعار معقولة ومغرية. يحدث هذا في غياب الوسم الجزائري الذي من شأنه توجيه المستهلك نحو اقتناء ما هو اجود ومساعدته للتعرف على الأصلي من المقلد والمشبوه. وتنوعت المشروبات المعروضة بالمحلات التجارية والدكاكين وغيرها بين أشكال القارورات منها الزجاجية والبلاستيكية وأخرى كارتونية وبألوان الفواكه التي كثيرا ما تغري المستهلك الذي أصبح ''شبه مدمن'' لا تفارقه خلال الوجبات بل حتى خارجها حتى أن البعض من المستهلكين وهم كثر، نسي طعم الماء أو لم يعد يطيق تناوله لانه وبكل بساطة استبدله ب ''ال?ازوز'' أو العصير الصناعي وغير ذلك من المشروبات. هذه الاخيرة التي كثيرا ما تعرض للبيع وهي خالية من أي اشارة تدل على عنوان الشركة المنتجة ومكونات المشروب وإن احتوت على العنوان فنجده مبهما غامضا. وحسب الخبراء فإن هذه كلها دلائل على أن المنتوج مشبوه وبالتالي لا بد من تجنب اقتنائه. مشروبات تصنع بالأقبية والمستودعات ورغم انتشار المشروبات الغازية والعصائر في السوق بكميات مذهلة إلا أن أماكن إنتاج العديد منها ومصادرها تبقى مجهولة في كثير من الحالات، حيث يفضل بعض المنتجين ممارسة نشاطهم في سرية تامة وبأماكن بعيدة عن أعين الرقابة كالأقبية والمستودعات ما يعني أن الشروط المطلوبة في مثل هذا النشاط غير متوفرة وإلا بماذا يبرر هذا التصرف خاصة وأن العديد من هذه الشركات تتوفر على سجلات تجارية. ويشير إطار بإحدى أعرق الشركات المنتجة للمشروبات بالجزائر أن المتداول حاليا في السوق ليس كله صالح للاستهلاك، بل إن أغلبه لا يحترم المقاييس المعمول بها في إنتاج هذه المواد كثيرة الاستهلاك بين العائلات الجزائرية على غرار المجتمعات في العالم، حيث أصبحت مشروبات ما يعرف ب''الصودا'' من التقاليد الغذائية إذ لا يمكن الاستغناء عنها رغم عواقب الافراط في تناولها على الناحية الصحية. ويستشهد محدثنا بإحدى الشركات حديثة التواجد في السوق الوطنية التي لا تكترث لخطورة ما تستعمله من مكونات في إنتاج مشروبها من ملونات ومواد حافظة وغيرها التي تستوردها من الخارج ومن أسواق معروفة بالتقليد والغش، فضلا عن الوسائل المستعملة في انتاج المشروب او العصير التي لا تخضع لاي عملية تعقيم أو تنظيف أوشروط الحفظ والنقل والتوزيع التي لا تضمن صلاحية المنتوج. وما ساعد في انتشار هذه السلوكات غير السليمة لدى العديد من منتجي المشروبات، حسب محدثنا، غياب المراقبة اللازمة والمتابعة الدائمة لهؤلاء المنتجين الذين لا يهمهم سوى تحقيق الأرباح، أما سلامة المستهلك فهي ليست من اهتماماتهم. المراقبة الصارمة أمر ضروري ويطالب بعض أصحاب العلامات المعروفة لدى المستهلك، تدخل السلطات المعنية لردع الناشطين غير القانونيين في قطاع إنتاج المشروبات حيث أكد أحدهم ل''المساء'' أن المنتوجات المقلدة ورديئة الجودة، التي لا تكلف أصحابها إلا القليل مقارنة بالناشطين الشرعيين، أصبحت تهددهم بالافلاس خاصة وأنها تعرض للبيع بأثمان منخفضة للغاية ما يجعلها أكثر رواجا مقارنة بمنتوجاتهم فضلا عن أنها تهدد صحة المستهلك من خلال المكونات غير المطابقة، المستعملة في إنتاج العديد من العلامات المتداولة بالسوق. في حين يرى الاتحاد العام للتجار والحرفيين أن قطاع إنتاج المشروبات أصبح بحق في حاجة إلى إعادة تنظيم صارم، حيث طالب أحد أعضائه بتشكيل لجنة وزارية تضم ممثلين عن مختلف الوزارات المعنية بالفرع، للتحكم في النشاط الموازي الذي أضحى يشكل تهديدا حقيقيا للاقتصاد الوطني. وأكد محدثنا أنه ينبغي وضع بطاقية وطنية تحصي المؤسسات الانتاجية الحقيقية التي تنشط في القطاع، بهدف محاربة المنتجين الدخلاء الذين يتلاعبون بصحة المستهلكين، معترفا بأن تطهير مجال صناعة المشروبات، مهمة صعبة وتقع على عاتق مجموعة من الفاعلين بداية بالمؤسسات الإنتاجية، كون مصالح الرقابة وحدها غير قادرة على مراقبة المنتجات، الأسعار وحتى إحصاء المؤسسات الانتاجية، حيث تحصي أسواقنا أكثر من 1500 شركة لإنتاج المشروبات، في حين أن عدد الشركات المقيدة لدى مصالح السجل التجاري لا تتعدى ال400 شركة بالتراب الوطني، مما يعيق مراقبة أنشطتها. الوسم الجزائري ''تاج'' غير معروف والمنتجون غير ملتزمين به وكشف رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات حماية المستهلك السيد زكي حريز ل''المساء'' أن سوق المشرويات تعرف انتشارا كبيرا لأنواع مختلفة من العصائر والمشروبات الغازية وغير الغازية مجهولة العلامة التجارية، حيث نجدها لا تحمل لا اسم المنتج وعنوانه ولا حتى قائمة المكونات، فضلا عن تاريخ الإنتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية ومع ذلك فهي مسوقة وتلقى إقبالا من المستهلكين. كما أكد محدثنا أن هناك وسما جزائريا يسمى ''تاج'' -تقييس إنتاج جزائري- وهو مصمم على شكل تاج معتمد ومسجل على مستوى المعهد الوطني للمطابقة إلا أنه يضيف المتحدث غير معروف عند المستهلك الجزائري بسبب عدم استعماله إلا في حالات قليلة من طرف المنتجين، حيث نجده على قارورات منتوجات بعض الشركات المنتجة لا تتعدى 10 شركات معروفة. ويعتبر ممثل جمعيات حماية المستهلك وجود وسم وطني أمرا لا بد منه في ظل الفوضى العارمة التي يعرفها قطاع المشروبات، إذ يجد المستهلك نفسه أمام عشرات المئات من المشروبات إن لم نقل الآلاف دون أدنى شروط المطابقة. وينصح محدثنا المستهلك التائه بين سلع لا شيئ فيها يساعده على اتخاذ قرار الشراء واقتناء ما هو أجود، على ضرورة توخي الحذر واجتناب ما يحمل شبهات كغياب مصدر إنتاج المشروب والمكونات وغيرها من المعلومات المطلوب تدوينها على قارورة أو علبة المشروب. ودعا محدثنا، في هذا السياق، مختلف الجمعيات المهتمة بالمنتوجات الغذائية إلى وضع وسم وطني خاص بكل نوع من الإنتاج والذي من شأنه تنوير المستهلك ومساعدته على اختيار ما هو صالح للاستهلاك واجتناب ما هو مضر بصحته وسلامته. كما دعت بعض جمعيات حماية المستهلك بالعاصمة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة على منتجي المشروبات الغازية والعصائر الذين لا يحترمون شروط التصنيع والحفظ، بالإضافة إلى عدم تصريحهم بكل مكونات المشروبات الغازية وعدم احترام الكميات المنصوص عليها خاصة تلك المصنوعة بطرق تقليدية داخل المنازل والمستودعات. المشروبات الغازية تسبب داء السكري وحتى السرطان حذّر رئيس الهيئة الوطنية للصحة وتطوير البحث ''فورام'' الدكتور مصطفى خياطي من الإفراط في تناول المشروبات الغازية ودعا إلى التقليل منها خاصة بالنسبة للأطفال والأشخاص البالغين أكثر من 40 سنة قصد تجنب المخاطر الصحية التي يمكن أن تنجر عنها. واستشهد خياطي بما أثبتته الأبحاث العلمية الأخيرة والتي أكدت أن للإصابة بالسكري علاقة مباشرة بتناول المشروبات الغازية، مؤكدا، في السياق، أن الجزائريين ليسوا بعيدين عن الخطر بسبب الإقبال المبالغ فيه على تناول المشروبات بمختلف أنواعها خاصة في فترات الأعراس والصيف وشهر رمضان الكريم. ولم يستبعد المتحدث مشروبات ''لايت'' الخالية من السكر من كونها تشكل خطرا أيضا على المستهلك عندما لا يحترم فيها الكميات المستعملة من المكونات وكذا المواد التي أدخلت بدل السكر والتي غالبا ما تكون غير صحية. ورافع البروفيسور خياطي من اجل أن يعتمد المستهلك غذاء متوازنا مع تجنب إلى أقصى حد تناول المشروبات الصناعية بمختلف أنواعها والتي قد تسبب أمراضا خطيرة بما فيها السرطان. وأضاف أن المشروبات الغازية والعصائر تبقى مضرة بالصحة وإن توفرت على شروط الإنتاج والحفظ الصحيحة، فكيف هو الحال عندما تنتج في ظروف غير صحية ولا تحترم المعايير المعمول بها في الإنتاج والحفظ عند التوزيع والنقل. كما يشير إطار بشركة وطنية للمشروبات إلى بعض المخاطر الصحية التي تتسبب فيها بعض المواد، مثل مادة ''الأسبارتام'' التي يؤدي وجودها بكميات كبيرة إلى أمراض خطيرة، مشيرا إلى أن الأسبارتام يستخدم بدل السكر لتحلية بعض المشروبات الغازية، كما يعد أحد بدائل السكر بالنسبة لمرضى السكري، ويظهر في قائمة المكونات تحت العديد من الأسماء التجارية، منها رمز(159). وسم وطني سيعلن عنه في غضون شهرين سعيا منها لوضع حد للفوضى التي تعرفها سوق المشروبات وتحسين النوعية وضمان الجودة، بادرت جمعية المنتجين الجزائريين للمشروبات بوضع وسم وطني جزائري خاص بهذه المادة، حيث تعكف على التحضير له بتشكيل لجنة خاصة تضم خبراء وممثلين عن جمعيات حماية المستهلكين. ومن المقرر أن يتم الإعلان الرسمي عن الوسم، الذي لم يتبين شكله بعد، بمناسبة انعقاد ملتقى حول ''الثقافة الاستهلاكية في البلاد العربية واقعها وآفاق تطويرها الذي ينعقد بفندق ''ميريديان'' بوهران. ورحبت فيدرالية حماية المستهلك بهذه المبادرة التي أكدت أنها ستعمل على ضمان ولو أدنى حد من الجودة وتساعد المستهلك على حسن اختيار ما يقتنيه من المشروبات، داعية إلى اعتماد نفس المسعى لتجنب المخاطر على المستهلك.