تعرض فرع إنتاج العصائر والمشروبات الغازية خلال السنوات القليلة الماضية لعديد الانتقادات المتعلقة بالجودة، احترام شروط النظافة والمعايير الدولية في التصنيع، على خلفية اكتشاف الأجهزة الأمنية ومصالح المراقبة وقمع الغش التابعة لوزارة التجارة لتجاوزات وفضائح في الكثير من وحدات التصنيع عبر مختلف مناطق الوطن، بالنظر إلى الارتفاع النسبي لمعدل استهلاك العصائر والمشروبات الغازية، مدعوما بتزايد الطلب عليها، ودفعت مختلف التجاوزات التي أضرت بسمعة القطاع إلى التفكير في كيفية النهوض به مجددا عن طريق طرح عمليات الخوصصة ودفع مسار الاستثمار والشراكة مع الخارج. 700 مليون لتر في السنة ومعدل نمو فاق 6 بالمائة تشير مختلف المعطيات الإحصائية الصادرة عن وزارة التجارة إلى أن نمو سوق العصائر والمشروبات الغازية ببلادنا بلغ مستويات حسنة تعدت 6 بالمائة سنويا مقارنة مع البلدان المغاربية الأخرى، حيث قدر حجم الإنتاج الوطني من المشروبات المرطبة خلال العام الفارط بما يقارب 1ر3 مليار قارورة ذات سعة 20 سنت لتر، وهو ما يعادل زيادة ب 20 بالمائة عن الإنتاج التونسي، وحوالي 40 بالمائة من إنتاج المملكة المغربية، ما يجعلها من أكثر الأسواق ديناميكية في شمال إفريقيا، في حين بلغ المعدل الوطني لإنتاج العصائر والمشروبات الغازية ما يناهز 700 مليون لتر في السنة، كما قدر عدد وحدات الإنتاج ب 235 وحدة لإنتاج المشروبات الغازية و44 وحدة لإنتاج العصائر، استطاعت تحقيق تقدم ملحوظ من حيث نوعية وحجم المنتوجات المعروضة في الأسواق الوطنية، بالرغم من أن الامتثال لمعايير النظافة وضعف الجودة والتعبئة يبقى من أكبر الهواجس التي تعترض هذا القطاع، خاصة مع تعرّضه لانتقادات لاذعة على وقع فضائح الغش والتحايل التي طالت عددا من العلامات التجارية الوهمية المسوّقة ببلادنا.ويحتل فرع صناعة وإنتاج المشروبات الغازية ببلادنا أكثر من 44 بالمائة من سوق استهلاك المشروبات المرطبة خلال السنة الفارطة، بمعدل 22 لتر للشخص الواحد في السنة، ونسبة استهلاك إجمالية قاربت 49 لتر سنويا لكل شخص، فيما حازت العصائر والمشروبات المرطبة الأخرى ما يقل عن 10 بالمائة من إجمالي الاستهلاك الوطني بما يقدر ب 7ر4 لتر للشخص الواحد سنويا. وتفيد المعطيات الوزارية أن الطلب على المشروبات المرطبة قد عرف في الآونة الأخيرة نموا متزايدا قدر ما بين 700 و800 مليون لتر في السنة بالنسبة للمشروبات الغازية، ومابين 150 و200 لتر في السنة للعصائر، واستطاعت نسبة التغطية الوطنية التي قاربت 99 بالمائة من تلبية احتياجات الطلب المحلي دون اللجوء إلى الاستيراد الخارجي. وتتقاسم عموما ثلاث علامات تجارية سلم مبيعات المشروبات الغازية عبر الأسواق الوطنية، يتقدمها المصنّع التاريخي ''حمود بوعلام'' بنسبة تغطية محلية قاربت 50 بالمائة في العاصمة وضواحيها، و25 بالمائة في المناطق الأخرى، بعد أن بلغت طاقته الإنتاجية أكثر من 40 ألف قارورة ذات سعة 25 سنت لتر في الساعة عبر ثلاثة وحدات رئيسية، يليه مجمع ''كوكاكولا'' الذي تمكن من تحقيق نسبة نمو قاربت 5 بالمائة خلال العام ,2006 وبحجم تغطية يعادل 25 بالمائة عبر كامل التراب الوطني، مدعوما بقوة السياسة الإشهارية للمجمع والانتشار الواسع لمنتجاته، متبوعا بشركة ''بيبسي كولا'' التي استحوذت على أغلبية المبيعات المتبقية، مقابل تصدر كل من علامات ''رويبة''، ''فيتا جو''، ''جو توب'' و''حمود بوعلام'' لمبيعات العصائر عبر أغلبية مناطق القطر الوطني. وبعيدا عن العلامات التجارية الرائدة في أسواق المشروبات المرطبة، فقد عرف القطاع حملة انتقادات كبيرة متعلقة بغياب شروط النظافة وعدم احترام المعايير الدولية الخاصة بالتعليب، والغش في مكونات التركيبة الأساسية للمنتوج، بعد اكتشاف مصالح المراقبة وقمع الغش التابعة لوزارة التجارة لعديد التجاوزات وحالات التقليد التي مست مختلف العلامات التجارية في الآونة الأخيرة. معايير النظافة والتلاعب بتركيبة الإنتاج يهددان صحة المستهلكين اهتز فرع صناعة العصائر والمشروبات الغازية في الآونة الأخيرة على وقع عديد الفضائح التي أضرت بسمعة العلامات التجارية المسوقة في بلادنا، على غرار إكثشاف حالات لمنتجات مغشوشة وأخرى لم تخضع للمقاييس الدولية في الإنتاج والتعليب، وهو ما تؤكده يوميا حملات التفتيش والرقابة التي تقوم بها مختف الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، ضد شبكات مجهولة تسهر على ترويج السلع الفاسدة. وفي هذا السياق، تمكنت مصالح الأبحاث التابعة للدرك الوطني مؤخرا من اكتشاف ورشات لصناعة المشروبات الغازية في شرق البلاد، لا تخضع لشروط النظافة الصحية المعمول بها قانونا، أين تم حجز زجاجات معبأة بمشروبات مضرة بصحة المستهلكين، تحتوي على مادة ''السيكلمات'' التي تؤثر بشكل مباشر على الأحشاء الداخلية للإنسان، إضافة إلى افتقادها لأية علامات دقيقة حول نوعية إنتاجها، واسم العلامة التجارية، ولا حتى تاريخ نهاية الصلاحية، في حين يتم تداول العديد منها في الأسواق الوطنية بعيدا عن مصالح الرقابة وبأسعار منخفضة تساهم في تهافت المواطنين عليها. ويؤدي الجهل بالتركيبة الأساسية وانعدام التكوين المتعلق بإنتاج العصائر والمشروبات الغازية إلى استخدام كميات ومحاليل قد تضر بصحة المواطنين، على غرار استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون في إنتاج المشروبات الغازية بضغط يتنافى مع المعايير القانونية، أو استخدام مياه معدنية غير مبسترة كقاعدة لإنتاج العصائر، في حين يلجأ البعض الأخر إلى تعويض كمية السكر المستخدم في عمليات الإنتاج بسوائل محلاة بدلا من استعمال ''السكاروز''، بشكل يؤدي إلى ضمان معدل 120 غرام من السكر في كل لتر من المشروبات الغازية بإضافة مقدارين فقط من السوائل المحلاة، وهي طريقة أفادت الأبحاث المخبرية لمصالح مراقبة الجودة والنوعية تأثيرها المباشر على صحة المستهلك، خاصة إذا تعلق الأمر بالأطفال دون العشر سنوات والنساء الحوامل، وعلى العكس من ذلك يعمد البعض الأخر إلى إنتاج وتسويق مشروبات من دون سكر مضاف ''لايت'' بالرغم من المخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها لبعض الفئات كالأطفال ومرضى السكري. كما أن الاستخدام السيئ لبعض المكونات كحمض ''الستريك''، المواد الحافظة، والملونات الغذائية من شأنه أن يلحق أضرارا كبيرة بصحة المستهلكين، حيث أفادت حملات التفتيش عن اكتشاف حالات لمشروبات مسوقة، أثبتت مصالح مراقبة النوعية احتوائها على نسبة حموضة عالية، وتركيز كبير من الحافظات الاصطناعية المعروفة بسرعة تلفها. وتسعى العديد من الورشات الصناعية إلى إنتاج العصائر دون الحصول على رخصة من المعهد الوطني للإنتاج الصناعي، مدفوعة بوفرة الفواكه الموسمية كالبرتقال والمشمش أو الخوخ، وتلعب فيها انعدام شروط النظافة ومعايير الإنتاج دورا كبيرا في الإضرار بصحة المواطن، حيث يعمد هؤلاء في ظل انعدام شروط تخزين الفواكه إلى استغلالها في إنتاج العصائر بعد أن تفقد قيمتها الغذائية، خاصة وأن غالبية المنتجات المسوقة تتعرض مباشرة لأشعة الشمس في المحلات والأسواق الجوارية، لتسهل بذلك من عملية ارتفاع الحموضة التي تؤثر على جودة المنتوج حتى قبل انتهاء مدة صلاحيته. ودفعت جملة الفضائح والتجاوزات التي مست فرع صناعة وإنتاج المشروبات الغازية والعصائر إلى ظهور عديد المحاولات الاستثمارية للنهوض بهذا القطاع، تتقدمها عمليات الخوصصة التي شملت وحدة ''القصور'' لإنتاج العصائر، والتي فتحت الباب أمام الكثير من المحاولات الاستثمارية في هذا المجال. استثمار واعد ومحاولات تصديرية محتشمة تعزّز فرع صناعة وإنتاج العصائر والمشروبات الغازية خلال السنوات القليلة الماضية بالكثير من المحاولات الاستثمارية الهادفة إلى النهوض بهذا القطاع، بعد أن حقق رقم أعمال قارب 35 مليار دينار خلال العام ,2004 فكانت أولى المحاولات الاستثمارية مع نهاية التسعينات حين عمدت الحكومة إلى طرح وحدة إنتاج العصائر ''القصور'' بولاية بجاية على الخوصصة، والتي فاز بها مجمع ''سيفيتال''، إذ عمد إلى تطوير صناعة عصير البرتقال في أولى الخطوات للسيطرة على السوق المحلية قبل التطلع إلى الأسواق الأجنبية.وتدعّم فرع إنتاج العصائر والمشروبات الغازية بدخول شركة ''فلاش'' إلى ساحة التصنيع المحلي، بعد العمليات الاستثمارية الكبيرة التي أنجزتها الشركة في العاصمة وضواحيها، إثر استحواذها على وحدة إنتاج المشروبات الكحولية بالحراش، ليتحول نشاطها بعد ذلك إلى إنتاج العصائر التي حققت نجاحا معتبرا يعود إلى تنوع منتجاتها، وتبنيها لسياسة تسويقية منتظمة، فيما استمرت عمليات الخوصصة التي باشرتها الحكومة في هذا القطاع بفتح رأسمال كل من وحدتي الإنتاج لبني هارون وموزاية، رست على مجمع ''سيم'' للمواد الغذائية، متبوعا بطرح وحدة الإنتاج لباتنة على الخوصصة والتي فاز بها المجمع الصناعي ''عطية. وبدأت عمليات الاستثمار التي سمحت بالنهوض بالقطاع تتطور بعيدا عن مسار الخوصصة الذي باشرته الدولة، بطرح كل من شركتي ''إفري'' و''فرويتال'' لمصانع إنتاجية خاصة، استطاعت الاستحواذ على حصص هامة من سوق المياه المعدنية بالجزائر، قبل أن تتجه تدريجيا إلى إنتاج المشروبات الغازية والعصائر، تلاها دخول مجمع ''دانون'' الفرنسي الذي عمد على استحداث وطرح منتجات جديدة من العصائر، فيما انتهجت وحدات أخرى مسار الشراكة مع أكبر المجمعات الدولية، على غرار دخول مجمع ''نيسلي'' السويسري كمساهم في رأسمال مجمع الإخوة ''زحاف'' للمشروبات الغازية بنسبة 51 بالمائة. واقتصرت العمليات التصديرية مؤخرا في مجال إنتاج العصائر والمشروبات الغازية على بعض العلامات التجارية الرائدة مثل ''حمود بوعلام'' و''فرويتال''، نحو الدول الأوروبية التي تتقدمها فرنسا وبلجيكا، بعد أن استطاعت تغطية الطلب المحلي، في شكل عمليات محتشمة لا ترقى إلى رفع القيمة المضافة للصادرات الوطنية غير النفطية نحو الخارج.