رغم أن خمسين سنة تكاد تمر على استقلال الجزائر، إلا أنه في الضفة الأخرى من المتوسط لا تزال هناك دوائر إعلامية وسياسية نافذة لم تهضم بعد هذا الاستقلال، والأكثر من ذلك تقحم ثورة التحرير الجزائرية في صلب جدل الانتخابات لكسب أصوات الحركى والذين لا زالوا بفكرهم المتطرف يحنون ل''الجزائر فرنسية''. وكما قال أحد السياسيين عندنا، ليفعلوا بحركاهم ماشاءوا، لكن ليس من حقهم أن يشوهوا التاريخ ويطمسوا حقيقة الجرائم البشعة لفرنسا الاستعمارية التي فاقت وحشيتها كل التصورات، وكم من مجاهد لازال إلى اليوم يحمل آثار بشاعة هذا التعذيب، حيث أنه من حق الأسرة الثورية أن تتمسك بمطلب تجريم جرائم الاستعمار، بدءا باعتراف فرنسا الرسمي علانية بهذه الجرائم التي كانت بمثابة جرائم ضد الإنسانية وصولا إلى تقديم اعتذارها الرسمي. فطال الزمن أم قصر تبقى العلاقات بين فرنساوالجزائر تعاني من حلقة مفقودة، هي حلقة الاعتراف بالجرائم والاعتذار عنها، حقيقة أن الجزائريين ليسوا بحاجة إلى هذا الاعتراف حتى يثبتوا للعالم عظمة ثورتهم، لأنهم انتزعوا اعتراف العالم أجمع بعظمة ثورة أول نوفمبر التي كانت ثورة ضد الظلم والاستبداد من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وكسر قيود وأغلال الاستعمار الذي جرب كل الأساليب الوحشية في محاولات يائسة لتجسيد حلم ''الجزائر فرنسية'' على أرض الواقع، لكن هيهات. إن جرائم فرنسا موثقة ودونها التاريخ بدم الشهداء ولا يمكن للدوائر المحنة للماضي الاستعماري أن تنكرها أو تتنكر لها، كما لا يمكن أن يطلب من الجزائريين أن ينسوها ويطووا صفحة الماضي مادام الطرف الآخر يستهزئ بتضحيات الشهداء الأبرار والمجاهدين الأشاوس، ويساوي بين الضحية والجلاد.