اختارت السيدة سليمة خير الدين أن تحول جزءا من منزلها إلى مقر لجمعيتها التي سميت ''جمعية أولياء وأصدقاء الأمراض العقلية''، لمد يد العون لفئة المعاقين عقليا، التي قالت: ''إنها فئة في أمس الحاجة لكل شيء.،التقتها ''المساء'' بمركز الوسيط للأمراض العقلية الكائن ببوشاوي، وكان لنا معها هذا الحوار. -''المساء'': بداية، هل لنا أن نعرف الدافع الذي جعلك تؤسسين هذه الجمعية؟ * في الواقع لم أكن صاحبة الفكرة في تأسيس الجمعية، بحكم أنني كنت أعمل كتقنية سامية بمؤسسة سونا طراك، غير أن الرغبة في الانضمام إلى الفريق الطبي الذي كان يشرف على متابعة المرضى المصابين بإعاقة عقلية، ويدافع بشدة عن حاجات وحقوق هذه الفئة، جعلني أتحمس للفكرة، لاسيما بعد وقوفي على المعاناة الكبيرة التي عاشها شقيقي بعدما أصيب بمرض انفصام الشخصية، أو ما يسمى ''لاستيزوفخيني''، وهو نوع من الأمراض العقلية الأكثر شيوعا. - إذن تأثرك بمرض أخيك كان وراء انضمامك إلى الجمعية التي كانت في طور التأسيس؟ * حقيقة، بعد أن اقتربت من الفريق الطبي وتعرفت على خبايا هذا المرض، ووقفت أيضا على المعاناة الكبيرة لوالدتي التي رفضت التصديق بحقيقة مرض ابنها، حيث كانت في كل مرة تحاول إقناع نفسها بأنه مصاب بمس، وأنه يحتاج إلى''الرقية''، عندها أدركت أيضا درجة اللاوعي التي يعيشها الأولياء الذين يجهلون حقيقة هذا المرض، كل هذا شجعني على ترك الوظيفة، حيث أُحِلت على التقاعد المبكر، وقررت خوض غمار الكفاح في سبيل تقديم المساعدة المادية والمعنوية لهذه الفئة المريضة، ولذويهم، من خلال الجمعية. وبعدما كنت نائبة رئيس الجمعية تحولت بعد مدة إلى رئيسة الجمعية، وفتحت بذلك أبواب منزلي ليتحول إلى مقر لها، نقيم بها الاجتماعات ونتلقى المساعدات، بينما أمارس النشاط رفقة أعضاء الجمعية على مستوى مراكز الوسيط للأمراض العقلية. - هل لك أن تشرحي لنا نوع النشاطات التي تقوم بها الجمعية؟ * بحكم أنني عشت وتعايشت مع هذا المرض، وبفعل احتكاكي ببعض الأطباء والعارفين بخبايا هذا المرض، تكونت لدي بعض المعلومات العلمية التي سهلت علي مهمة العمل مع هذه الفئة، ولعل من أهم النشاطات التي نقوم بها كجمعية، والتي تعد من الخطوط العريضة لأهداف الجمعية، هي توجيه أولياء المرضى إلى ما ينبغي عليهم القيام به، بعد أن يتأكد لهم أن أحد أفراد العائلة يعاني من هذا المرض، بحيث نوجه أولياء المريض لمعرفة جملة من الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها المريض، بعد تكوينه لملف إداري يثبت حالته الصحية، ليتسنى له، مثلا، الحصول على منحة واقتناء الدواء بصورة مجانية، لاسيما وأن هذا المرض يعد من الأمراض المزمنة التي تتطلب تكلفة علاجه مبالغ مالية باهظة، دون أن ننسى أن هذا النوع من الأمراض يستغرق علاجه مدة من الزمن، وقد لا يشفى المريض منه، كما نعمل أيضا على تكوين أفواج مع الأولياء والأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين للتخفيف من معاناة الأولياء الذين، في كثير من الأحيان، يرفضون الاعتراف بهذا المرض، بحكم أنه لا يزال إلى حد الآن يُنظر إليه على أنه من العيب الحديث عن طفل معاق ذهنيا بالعائلة، خوفا من نظرة المجتمع القاسية، لاسيما إذا كان المصاب فتاة. - إذن تنحصر نشاطات الجمعية في التوعية والتحسيس بخبايا هذا المرض ؟ * حقيقة، نشاطات الجمعية تركز على التوعية والتحسيس من خلال العمل مع المرضى والأولياء، ولكن هذا ليس كل شيء، فلا يخفى عليكم أن الجمعية تعتمد في نشاطاتها على المساعدات التي يقدمها المحسنون، هذه المساعدات نقوم بتحويلها مباشرة إلى هذه الفئة من خلال المراكز التي يقصدونها، فمثلا، قمنا بتجهيز مركز الوسيط للأمراض العقلية لبوشاوي بمعدات رياضية، حتى يتمكن المرضى من القيام ببعض الحركات الرياضية، فلا يخفى عليكم أن المصابين بهذا المرض يتعرضون للإصابة بالبدانة، بحكم تفتح شهيتهم للأكل، فيتحولون إلى أفراد يأكلون ويمتنعون عن القيام بأي نشاط، إلى جانب تجهيز المركز بمعدات إعلام آلي وبعض الأشرطة التي تساعدهم في تقوية مهاراتهم الإدراكية، حتى يتجنبوا التهميش والعزلة، أي أننا نحاول من خلال ما يتوفر عندنا من إمكانيات إعادة إدماج المريض الذي يخضع للعلاج بالمجتمع، ونؤمن أيضا خرجات استكشافية للمرضى ليتمكنوا من ممارسة بعض الأنشطة العلاجية بالهواء الطلق، كما نتنقل أيضا إلى بيوت المرضى، حتى نلبي بعض احتياجاتهم، ونقنع ذويهم بتقبل المرض، مع بضرورة متابعة العلاج. - هل تمكنتم من إعادة إدماج بعض الفئات المعاقة ذهنيا بالمجتمع؟ * حقيقة، عمل الجمعية يظهر من خلال النتائج الإيجابية التي تترجم على أرض الواقع، والذي يعد بالنسبة لنا انتصارا، وهو من بين الأهداف التي نصبوا لتحقيقها، ولعل من أكثر النقاط الايجابية التي حققناها، مساهمتنا في تمكين بعض الطلبة الذين تماثلوا للشفاء إلى حد ما من الرجوع لممارسة حياتهم الطبيعية، سواء بالرجوع إلى مقاعد الدراسة أو بالعودة لممارسة مهنتهم، بينما المفاجئة التي حدثت، هي وقوفنا على مناسبة زواج بين شابة وشاب كانا يخضعان للعلاج بمركز الوسيط الاجتماعي، حيث ساعدناهما على إتمام مراسيم الزواج والاندماج بالمجتمع. - ما هي الصعوبات التي واجهتكم وحالت دون تمكنكم من أداء مهامكم كجمعية؟ * لا أخفي عليكم تعاملنا مع هذه الفئة غير الواعية من المجتمع، والتي تحتاج إلى عناية شاملة، جعلنا نقف عند واحد من أصعب العراقيل التي تواجههم، والتي نقف عندها كجمعية مكتوفي الأيدي، وهي رفض التكفل بالأشخاص المصابين بأمراض عقلية وحاملين لبعض الأمراض المزمنة الأخرى، كأن يكون مثلا المريض معاقا ذهنيا ومصابا بالربو أو السكري، هذه الفئة لا يتم التكفل بها في المؤسسات الاستشفائية في غياب المرافق للحالة، وهو الأمر الذي يعقّد من حالة المريض، ويزيد من معاناة أوليائه، لذا، نتمنى أن يتم التكفل بهم ليسهل علينا إعادة إدماجهم بالمجتمع. - كلمة أخيرة؟ * فتحت أبواب منزلي وحولته إلى مقر للجمعية، فقط من أجل ألا أظل مكتوفة اليدين، وأنا أعرف أن هناك من يحتاج للمساعدة، وجعلت من مراكز الوسيط للأمراض العقلية مكانا للالتقاء مع المرضى وذويهم، غير أنني أتمنى لو تمنح لنا الجهات المعنية مقرا حتى نوسع من نشاطنا وندعم أكثر هذه الفئات، خاصة وأن مراكز الوسيط للأمراض العقلية قليلة بالجزائر.