يرى المخرج اللبناني جورج الهاشم أنّ حمى الربيع العربي تتطلب العودة إلى الماضي والنبش في الذاكرة للإجابة عن الحاضر، واتخذ من فيلمه ''رصاصة طايشة''، المُنتَج سنة ,2010 منطلقا ليروي ذكرياته التي عاشها خلال طفولته في لبنان، والبحث عن أصل الحروب الأهلية التي حدثت في بعض الأوطان العربية وإلى أي مدى تشبه الثورات الأخيرة ضد الأنظمة. تدور أطوار القصة وسط عائلة لبنانية تعكس في سياق ما الوطن في شروخه وجروحه، واختار المخرج صيف سنة 1976 ببيروت، حيث كان الاعتقاد سائدا أن الحرب الأهلية قد وضعت أوزارها، ولكن هيهات. ويحكي الفيلم الدرامي الاجتماعي، في 76 دقيقة، حادثة ''رصاصة طايشة'' كانت السبب في وفاة والدة نهى ودخولها إلى مصحة نفسية بعد أن تفاقمت المشاكل معها في يوم واحد، وتظهر الممثلة نادين لبكي بطلة الفيلم في دور نهى، فبعد فشلها في علاقة حب مع جوزيف ورؤيتها لمشهد قتل أمامها، ثم رفضها الزواج بجون كون أخته هي القاتلة التي رأتها أثناء مشوارها مع حبيبها جوزيف، تعود نهى مع غروب الشمس وحيدة مصدومة ومنكسرة مما رأته، وما زاد صدمتها وجود القاتلة ببيتها مع أخيها لطلب الزواج منها، لتتسارع الأحداث وترفض نهى هذا الزواج دون أن تفصح عن السبب، الأمر الذي دفع بأخيها عساف لطردها من بيته بعد صراع هستيري دار بينهما، فتخرج نهى ليلا دون أن تأخذ حقيبتها تلحقها أمها، تناديها في ظلمة ليلة موحشة بأصوات نباح الكلب، ثم يتعالى صوت الرصاص ويكف صوت الأم عن مناداة ابنتها، لتجد نهى نفسها مصدومة أكثر بعد أن عرفت أن رصاصة طائشة أصابت أمها وأردتها قتيلة. مأساة نهى لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تركها جوزيف في أول زيارة له، إذ لم يتحمل رؤيتها في تلك الحالة، وكانت أختها ليلى قد زارتها وقضت معها أمسية بأكملها معها، وقد وعدتها بمعاودة زيارتها، إلا أن قصفا ضرب حيهم وبيتهم بالتحديد حال دون ذلك، فاضطرت إلى الرحيل مع أخيها إلى مكان آخر، لتبقى نهى وحيدة. ويدفع الفيلم إلى طرح الأسئلة والتفكير، حيث كثف المخرج من عنصر التشويق ويدعوك لمعرفة نهاية القصة الدرامية، كما يذكر فيلم ''رصاصة طايشة'' بالحرب الأهلية التي يلوح طيفها فترة بعد فترة في شوارع لبنان المختلفة، واختيار عنوانه يعد موفقا لما يحمله من عبثية تكمن في كلمة طايشة، وهذا ما يعكس الصورة الحقيقية للحرب الأهلية التي تأخذ من العبثية شكلا لها عبر مشاهد الرصاصات الطائشة التي تقتل المواطنين العزل الذين لا يعرفون من الحرب سوى دمارها وقتلها ووحشيتها. وقد نال الفيلم خلال مشاركته في المهرجانات الدولية والعربية العديد من الجوائز المهمّة من بينها جائزة أفضل تصوير في مهرجان موريال، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة مناصفة مع الفيلم العراقي ''ابن بابل''، كما حصد الجائزة الأولى في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة خلال حفل اختتام الدورة السابعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي.