صياغة الحلي الفضية هي إحدى الحرف التقليدية البارزة في مجتمعنا، وهي عادة ما يتم توارثها كحرفة ضمن نطاق العائلة الواحدة، حيث يتفنن الحرفيون في صنع قطع مختلفة من الفضة، سواء الموجهة لزينة المرأة وحتى بعض القطع الديكورية الموجهة لأصحاب الذوق الرفيع، كما يسود الاعتقاد لدى البعض، أن الفضة تفيد في علاج بعض الأمراض وطرد لعين الحسود.. وتعتبر الحلي التقليدية رمزا من رموز الفنون التقليدية في مجتمعنا، وتُصنع قطع منها من الفضة الخالصة، سواء باستعمال ألوان معينة أو اللون الأسود والأحمر فقط. ويتفنن الصانع التقليدي في بصم رسومات ونقوشات غاية في الإتقان والجمال على هذه القطع، منها ما هو مرتبط بالطبيعة وجماليتها، ومنها ما يرمز إلى بعض العادات والتقاليد لدى الإنسان. وقد ساعد الزخم الحضاري لمنطقة القبائل، في تجديد المخيلة الفنية لصانعي الحلي التقليدية المعروفة بالفضة على مر الأيام والسنين، ورغم ما قد يتجلى من تشابه في الوهلة الأولى بين مفردات وزخارف هذه الحلي، إلا أن صناعها يتحدثون عن ثرائها وتنوعها من صانع لآخر، بل ويوحي الحديث بأن هناك بعض الأنماط الأخرى التي لم تفصح عنها الموجودات بعد، ورغم استعمال الفضة كحلي بعدة مناطق عبر الوطن، إلا أنها تختلف جذريا عبر المناطق وحتى بين منطقتي القبائل الصغرى والكبرى.. وخلال شهر التراث ببومرداس، التقت ''المساء'' بحرفيين في الحلي الفضية، عرضوا على زوارهم تشكيلات واسعة منها، والتي زادتها المخيلة الفنية جمالا في الصنع والإبداع، غير أنك تلمس بعض اللمسات الفنية المختلفة بين هذا الحرفي أو ذاك، يرجع سر الاختلاف إلى تقنية التصنيع وذوق الفنان في المزاوجة بين الألوان. في السياق، يتحدث ''حسن بن عمار''، فيقول؛ إن الحلي الفضية لمنطقة الأوراس والطوارق قد تكون واحدة، بمعنى أن الرموز المستعملة فيها واحدة لم تتبدل عبر الأزمنة، أما الحلي التقليدية في منطقة القبائل، فقد أدخلت عليها تجديدات كثيرة، خاصة ما تعلق بالألوان والأشكال، ولأن الحرفي في الفضة أكثر ارتباطا بالطبيعة، فقد انعكس ذلك على الحلي الفضية، ومن أكثر الألوان استخداما، هناك الأزرق الذي يرمز للسماء، الأحمر الذي يرمز للنار، الأصفر رمز للشمس، والأخضر لون الطبيعة، مثلما يشير إليه الحرفي جمال آيت سي علي، مضيفا أن تصنيع الحلي الفضية قد ورثها عن والده الذي ورثها هو الآخر عن والده، وهي الحرفة التي عرفت تطورات كبيرة عما كانت عليه في الماضي. فبعدما كان يتم تصنيع ثلاثة أو أربعة ''موديلات'' فقط، يتم حاليا عرض العشرات منها، تختلف في تفاصيلها عن الأشكال التقليدية. وإن حافظ الحرفيون على هذه الألوان في أشكال الحلي التقليدية، إلا أن الملاحظ من خلال توضيحات الحرفيين، أن العصرنة قد ألقت بظلالها على هذه الحلي، وأصبحت مطلوبة بلونين اثنين فقط؛ وهما الأسود والأحمر. يتأتى الأسود الفضي من نقع صفيحة الفضة، وهي بعد مادة خام أو الإسورة مثلا، فور صناعتها دون إتمام اللمسات الفنية عليها، في ماء به قطرات من ماء الجافيل لمدة زمنية معينة، حتى تكسب لونا مسودا، بعدها، توضع حبات المرجان الحمراء للزينة، وهذه أكبر أنواع الفضة طلبا حاليا، خاصة ضمن الحلي اليومية الموجهة للارتداء اليومي. ويؤكد الحرفيون أن الفضة لم تعد تكدس بالخزانات، ليتم ارتداؤها في المناسبات والأفراح، بل أن الموديلات الكثيرة والمتنوعة ذات اللونين الأسود والأحمر أضحت تلقى رواجا كبيرا، حيث بالإمكان مزاوجتها مع كل أنواع الألبسة، مشيرين إلى أن مكان الفضة لا يتزحزح بفعل اجتياح الإكسسوارات العصرية. أما عن أسعار الحلي الفضية، فهي تبقى في المتناول بالمقارنة مع الذهب. ويمثل ارتداء النسوة للحلي الفضية في مجتمعنا، تعبيرا يكشف رموزا وأصولا اجتماعية متباينة، إذ تدل هذه الحلي على المكانة الاجتماعية التي تتبوؤها صاحبة الحلي، إلى جانب الدور التقليدي كنموذج للزينة، إضافة إلى الانطباع الذي تتركه تلك الحلي عند صاحبتها، من ارتياح نفسي يتماشى مع المظهر العام. كما تشكل هذه الحلي جزءا من مهر العروس. وتحمل الفضة دلالات اجتماعية إيجابية عند الجزائريين، يقول مبارك، أحد الحرفيين، مضيفا أن معظم الشابات يفضلن الموديلات الجديدة، بينما تفضل الأجنبيات الموديلات التقليدية، سواء بالنسبة للأساور، الأقراط أو الخواتم، خصوصا بعد أن ظهرت الإكسسوارات الفضية التقليدية في عروض الأزياء، وانتشر استعمالها بعد ذلك على نطاق واسع في السنوات الأخيرة. ولا يقتصر دور الحلي الفضية على الزينة فقط، بل يعتقد البعض أن لها خصائص علاجية كثيرة، فهي تصلح لعلاج مرض الروماتيزم والأعصاب، وتطرد الجن، كما هناك من يعلق ''خامسة'' من الفضة داخل البيت لطرد الحسد والعين، بالإضافة إلى الحلي، هناك ديكورات منزلية مصنوعة من الفضة على شكل أباريق الشاي، القهوة وصناديق خاصة بحفظ المجوهرات، صحون صغيرة وغيرها الكثير من القطع الفنية الموجهة لأصحاب الذوق الرفيع ومحبي الأصالة والتقليد..