على هامش انعقاد مؤتمر وطني حول آفة التدخين في المجتمع الجزائري، تحاورت ''المساء'' مع الدكتور يوسف طرفاني، نائب مدير وحدة الأمراض غير المتنقلة بوزارة الصحة، عن ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان نتيجة استهلاك التبغ بأنواعه، وقد أوضح أن وزارة الصحة تسعى لزيادة عدد وحدات معالجة الراغبين في الإقلاع عن التدخين في مستشفيات الوطن. ''المساء'': - بداية، دكتور لماذا تبقى عمليات التحسيس بخطورة التبغ والتدخين محصورة في مناسبة إحياء اليوم العالمي دون تدخين؟
الدكتور يوسف طرفاني: لا أبدا، فلمواجهة هذا الخطر تنظم وزارة الصحة حملات لتوعية المواطنين، خاصة الشباب، في المؤسسات التعليمية وفي النوادي والأحياء وأماكن العمل بأخطار التدخين على الصحة العمومية، وتنبههم إلى تكلفة معالجة المرضى بسبب التدخين، كما تساهم وزارة الشؤون الدينية بحملة تحسيسية واسعة حول التدخين وأضراره على صحة الإنسان والمحيط، حيث تعرف كل مساجد البلاد وجميع المؤسسات الدينية أنشطة ودروسا توجيهية... فعمليات التحسيس تكون على مدار السنة، ولكن يوم 31 ماي يزداد الحديث عن هذه الظاهرة بأهمية اكبر من طرف المختصين والحركات الجمعوية، التي كثيرا ما تعرض نتائج دراساتها الميدانية حول تعاطي التبغ وسط الشباب خاصة.
- وهل قدمت بعض الأرقام حول الظاهرة؟ -- بالفعل، كانت إحدى الدراسات التي قام بها فريق من الباحثين بالمعهد الوطني للصحة العمومية بالتنسيق مع وزارة الصحة ومكتب منظمة الصحة العالمية بالجزائر وشملت عينة تتكون من 4 آلاف شخص و200 عائلة من ولايات وهران، ورقلة، باتنةوالجزائر العاصمة تبدأ أعمارهم من 15 سنة فما فوق، وقد خلصت إلى أن 20 % من الجزائريين يستهلكون التبغ منهم 15 % يدخنون السجائر و5 % يستهلكون ''الشمة''. هذه الدراسة حسب ما تم عرضه خلال الملتقى تضمنت محاور رئيسية أهمها استهلاك التبغ بنوعيه لدى الذكور والإناث، ومحورا آخر تناول بالدراسة أولئك اللذين يستهلكون التبغ ثم يتوقفون. ومن جملة النتائج أيضا أن نسبة 70 % من الذين يتوقفون عن التدخين يكون لذلك أسباب صحية، بينما يمثل الذين يتعرضون للتدخين السلبي، خاصة في الأماكن العمومية، 60 % من مجمل العينة، كما أن 20 % من نفس العينة يتعرضون للتدخين السلبي بالمنازل.
- وما تعليقكم دكتور على هذه الأرقام؟ -- أكيد أن هذا الواقع المخيف يؤثر على الصحة العمومية، والحقيقة ان الظاهرة المرضية للتدخين تفاقمت في الجزائر بشكل يدعو إلى ضرورة مكافحتها ودق ناقوس الخطر، فقد كشف تقرير لوزارة الصحة والسكان أن 15 ألف شخص يموتون سنويا بالجزائر بسبب آفة التدخين، هذا ناهيك عن المخلفات الاقتصادية لهذه الآفة. نذكر كذلك أن 7 آلاف من ضحايا التدخين يلقون حتفهم بالسكتة القلبية، و4 آلاف منهم بسرطان القصبة الهوائية، بينما يصاب 4 آلاف بسرطان الحنجرة والعجز التنفسي.. وهذا بالفعل مخيف. ومن بين الأرقام المرعبة للتدخين كذلك تظهر الكلفة الاقتصادية للتدخين، حيث تبين الأرقام أن الشخص المدخن، يتعاطى يوميا وبانتظام علبتين من التبغ ويصرف 220 ألف دينار (22 مليون سنتيم) في المتوسط سنويا على سيجارته، وهنا نشير إلى أنه من الصعب حصر كل الخسائر الاقتصادية للتدخين بحيث تتدخل أيضا عوامل أخرى تزيد الطين بلة، كما يقال، وهي المصالح التجارية لشركات صناعة التبغ وفق منظور الربح التجاري البحت، كما تظهر أيضا تكاليف الرعاية الصحية للمرضى الذين تتكفل بهم الدولة، خاصة الشباب منهم الذين يقعون ضحايا شركات التبغ التي تنفق ملايير الدولارات سنوياً لاصطياد مزيد من صغار السن.
- ولكن التدخين لا يقتصر فقط على فئة دون أخرى، فالإحصائيات تشير أيضا إلى تعاطي الفتيات والأطفال للسيجارة. -- صحيح، لأن أخطر حقيقة أن تسويق التبغ والترويج لاستعماله يستهدف صغار السن ويغريهم، فشركات التبغ تستهدف بالدرجة الأولى المراهقين والمراهقات، لأنهم زبائن المستقبل لأن الإحصائيات تشير إلى وفاة 5 ملايين شخص في العالم سنويا بسبب السجائر، ولذا فإن هذا الرقم يحتم على هذه الشركات ابتكار أسلوب جديد لتعويض قائمة المستهلكين، لذلك بات المراهقون والمراهقات هدفا لهم، ومن هنا فإن مواجهة هذه الخطط التسويقية لشركات التبغ هي خطوة أساسية لحماية الصحة العامة والجيل القادم من الشباب والشابات وإنقاذهم من الأخطار المحدقة بهم.
- هل يدخل ذلك ضمن البرنامج الوطني لمكافحة التدخين المعلن عنه مؤخرا من طرف وزير الصحة؟ -- تم إعداد برنامج وطني لمكافحة التدخين يتمحور حول الوقاية بالدرجة الأولى بتكثيف حملات التوعية والتحسيس، خاصة بالوسط المدرسي والأحياء الشعبية، كما يركز في مكافحة آفة التدخين على الجوانب القانونية والترويجية. ويهدف البرنامج كذلك إلى السهر على تطبيق القانون المتعلق بمكافحة التدخين خاصة منع التدخين في الأماكن العامة والعمل المتواصل لحملات التحسيس بأخطار التدخين والأخطار التي تمثلها هذه الآفة على الأفراد والمجتمع، والعمل هنا موجه كذلك لإقناع المدخنين بالإقلاع عن التدخين، وهذا بالتنسيق مع الحركة الجمعوية، وأذكّر هنا بعمل وزارة الصحة على زيادة عدد وحدات معالجة الراغبين في الإقلاع عن التدخين في مستشفيات الوطن.