هي ليست مجرد أرقام وإحصائيات مرعبة.. بل إنه واقع صحي مأساوي، يتكبده كل سكان الأرض ما دمنا نتقاسم جميعا تبعات التدخين وإن لم نكن مدخنين، فالكل مسؤول طيلة أيام السنة ليس في 31 ماي وحسب في مواجهة هذا الوباء الفتاك "الإرهاب الخفي وطاعون العصر" الذي يسجن الملايين خلف قضبان 600 مادة سامة، إلا أن الخروج من ظلمة هذا السجن سيكون واقعا سهلا وملموسا بعد قراءة هذا الموضوع. آلاف التقارير الصحية، مئات الدراسات الطبية وعشرات الهيئات والمنظمات الدولية لمواجهة كارثة يتفاقم حجمها مع كل نفثة دخان.. مع كل سيجارة.. مع كل مدخن جديد.. مع كل حالة إصابة جديدة بسرطان الرئة أو الحنجرة أو الثدي عند النساء.. إلا أن المدخن لا يزال يستمتع بعادة لم تكن إلا تجربة أو محاولة لإعلان النضوج وإبراز الشخصية القوية في سن المراهقة أو ما قاربه، ليصطدم بمادة نيكوتينية مسرطنة تدعوه مع كل سيجارة إلى سيجارة أخرى معلنة قرب وفاته مع وفاة كل سيجارة من علبة تجارية لا تقودك إلا إلى هلاك محقق وإفلاس تعرفه أحسن من غيرك، إلا أن ما لا تعرفه هو في السطور القادمة، فارمِ سيجارتك وتعاطى هذه الأرقام والحقائق. لعلها تكون السبب في آخر سيجارة وبداية لحياة تخرجك من دائرة الأرقام والحقائق المرعبة. أين المشكلة؟ الجميع يتفق على أن التدخين مشكلة، بل متاهة يضيع فيها كل من يقترب منها وإن ادّعى البعض اللذة العابرة، ونسي الهموم مع تصاعد الدخان من فمه أو فمها كمظهر من مظاهر الفخامة والتقدم، رغم غياب الجمالية عن هذا المظهر المسودّ، إلا أن الكثير لا يعي حجم المشكلة ولا أبعادها وأين تكمن بالضبط؟ فالسيجارة الأولى في حياتك إيذان بإدمان، ومطامع الشركات التجارية المنتجة للتبغ والسجائر تتزايد، ما دفعها لزيادة المادة المدمنة "النيكوتين" بنسبة 11% في السيجارة الواحدة، ما يزيد من صعوبة الإقلاع عن التدخين والتفريط في السيجارة، وما يؤدي إلى زيادة نسبة الاحتمال بالإصابة بقائمة طويلة لأمراض سرطانية مزمنة، فإن نجوت من إحداها تلقفتك الأخرى، فقد أكدت دراسات طبية لمعاهد صحية أمريكية أن التدخين هو السبب الرئيس في سرطان الرئة والحنجرة والثدي عند النساء ليتسبب في وفاة 1.4 مليون مدخن في العالم سنويا، فضلا عن إعاقته ووصول الدم إلى كافة الجسم بما في ذلك الدماغ نتيجة لتصلب الشرايين وأمراض الأوعية الدموية التي أحد أهم مسبباتها التدخين الذي يسبب أيضا النوبات القلبية ومختلف أمراض القلب والجلطة الدماغية وانتفاخ الرئة والتهاب القصبات الهوائية. بالإضافة إلى العجز الجنسي عند الرجال نتيجة لتقليل عدد وسرعة الحيوانات المنوية والاحتمال الكبير في عدم قدرة النساء على الإنجاب نتيجة التأثير على خصوبة البويضات وحتى الإصابة بسرطان عنق الرحم وخطر تشوه الجنين إن حدث الإنجاب، وكل هذه المشكلات المرضية تطرح قضايا اقتصادية خطيرة بدءا بالمصاريف الطائلة على العلاج والدواء التي يتحملها كل من المدخن المصاب والدولة، وصولا إلى التغيب المستمر عن العمل نتيجة لأسباب مرضية، ما أكده مجموعة من الباحثين الأمريكيين في دراسة حديثة على أن نسبة تغيب المدخنين عن وظائفهم لأسباب مرضية تبلغ ثلاثة أضعاف نسبتها لدى غير المدخنين. زد على ذلك الأزمات النفسية الحادة التي يتعرض لها المدخنون في غياب السيجارة، ويتضح ذلك جليا في أيام رمضان أين تزداد نسبة هذه الأزمات نتيجة لعدم تعاطي السيجارة. مواد كيماوية سامة.. تستخدم في الأصباغ والمنظفات "لا يوجد دخان دون نار" وللمشكلة أسبابها، وسلسلة الأمراض الناتجة عن التدخين ما هي إلا وليدة سلسلة أخرى لمواد كيماوية سامة تشكل في مجملها السيجارة، حيث يدخل في تكوين السيجارة الواحدة 4000 مركب كيميائي، 600 مركب منها سام و40 مركبا منها من المواد المسببة للسرطان، كمواد الأستين التي تدخل في تكوين منظفات دورات المياه والأمونيا في تشكيل إزالة طلاء الأظافر والبوتان وهو نوع من الوقود الخفيف، بالإضافة إلى مادة بيتا المبيدة الداخلة في صناعة مبيدات عثة الملابس والمنسوجات، ومادة الميثانول التي تدخل في صناعة وقود الصواريخ والزرنيخ المستخدم في تشكيل سم الفئران، زد على ذلك عدد من المواد الكيماوية الخطرة كمادة القطران التي يمكن استخلاصها من السيجارة عند استعمال الفلتر والمعروفة ب "الزفت" المستخدم في تعبيد الشوارع. والملاحظ هوالاحتراق البطيء لورق السجائر بعكس الورق العادي، والسبب في ذلك هو طمر ورق السجائر في سوائل كحولية تعمل على تبطئة اشتعاله. ويجدر بالذكر أن الشركات المنتجة للسجائر قد عملت على إضافة عدد من المواد الكيماوية الخطرة طيلة 30 عاما دون أي رقابة قانونية أو حكومية، وأهم هذه التجاوزات هو زيادة نسبة النيكوتين تدريجيا إلى حد زيادة قدرت ب11%، وتتسلل جرعة من هذه المادة المسرطنة المدمنة إلى المخ بمجرد استنشاق نفثة من الدخان حوالي عشر ثوان وهذا الاندفاع يؤدي إلى إفراز عدد من المواد كالدوبامين والنورأدرينالين، وفي غياب النيكوتين فإنّ مستوى هذه المواد يتغير، ما يُحدث شعورا بالحاجة إلى النيكوتين وإحساسا بالقلق والتوتر نتيجة للتعود عليه ما يزج بالمدخن في دائرة الإدمان على النيكوتين التي تعد أخطر من عدد من المخدرات، خاصة وقد أكد فريق طبي بقيادة البروفيسور سريكومار شيلابان من جامعة فلوريدا بوجود مستقبلات على مستوى الخلايا الرئوية المسرطنة التي تعد المفتاح الذي يستخدمه النيكوتين للتسريع في عملية نمو السرطان، لتعتبر بهذا أهم المواد المسببة لسرطان الرئة، حيث 9 مصابين من كل 10مصابين بسرطان الرئة بسبب التدخين. مدخّنو الجزائر.. أرقام مخيفة والجزائر ليست بمنأى عن هذا الواقع الصحي الكارثي الذي يتفاقم يوما بعد يوم، أمام غياب الرقابة الاجتماعية والقانونية الصارمة ونقص الحملات التوعوية الناجعة، حيث ترتفع حصيلة "الوفيات نتيجة التدخين" إلى ما يفوق 15 ألف حالة وفاة سنويا، حسب تقرير وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات الجزائرية الذي صنّف الحالات إلى 7 آلاف حالة وفاة بالسكتة القلبية و4 آلاف بسرطان الرئة في حين 4 آلاف المتبقية نتيجة لسرطان الحنجرة والعجز التنفسي. بالإضافة إلى إقرار حقيقة أن أغلبية المدخنين الجزائريين هم من الشباب الذين لا يعون حقا خطورة التدخين. وأكد الباحثون الجزائريون أن المشكلة اليوم تتعدى حدود المعقول، خاصة في أوساط المراهقين الذين يتناولون السجائر في الوسط المدرسي ما يسهّل انتشار ورواج تناول السجائر نتيجة للتقليد والمرحلة العمرية الانتقالية التي يمرون بها، وهذا ما تؤكده السيدة "فاطمة.م" التي تروي لنا قصة اكتشافها لابنها ذي 11 ربيعا وهو يتناول سيجارة في غرفته المغلقة بعد أن راودتها الشكوك بسبب مكوث ابنها الطويل في غرفته مغلقا الباب وهذا ليس من عادته لتتفاجأ بابنها حاملا للسيجارة لتصرخ عاليا في وجهه، ليخرج بعد ذلك الابن مسرعا من البيت. لتفضل الأم فاطمة عدم إخبار زوجها ومعالجة الأمر بحكمة وروية بمفردها، إلا أن الحقيقة التي صارحتنا بها في النهاية، هي أنها فضلت عدم إخبار أبيه لأنه عصبي جدا وهو مدخن أيضا، وأن ابنها قد صار رجلا ومن حقه أن يقلّد أباه وما اعتراضها إلا لأنه في سن مبكرة عن التدخين وحسب. وهذا ما يجعلنا نضم أصواتنا لأصوات أخصائي التربية الذين يحمّلون الشطر الأكبر لمسؤولية تدخين القصر للأولياء وغياب الرقابة الأسرية الاجتماعية. أما عن التدخين في الأماكن العمومية فالقانون الجزائري قد فصل في قضية التدخين في الفضاءات العمومية بالمنع منعا باتا على القصر والراشدين وفقا للقانون رقم 8505 المؤرخ في 16 فيفري 1985 إلا أن الواقع غير ذلك. الوصفة السحرية.. بالمجان.. ابدأ الآن 1. ثق بنفسك وتأكد من قدرتك على الإقلاع عن التدخين. 2. اختر يوماً محدداً للإقلاع عن التدخين في خلال الأسبوعين القادمين 3. أخبر عائلتك وأصدقاءك بتاريخ هذا اليوم وأطلب منهم أن يساندوك 4. في صباح هذا اليوم تخلص من السجائر والولاعات والكبريت ومنفضة السجائر وكل ما يذكرك بالتدخين. 5. اشرب الكثير من الماء الساخن والسوائل ولكن حاول استبدال القهوة والشاي والكوكاكولا بمشروبات أخرى كالعصائر أو أي مشروب آخر تفضله. 6. لا تتناول الأطعمة الدسمة وأكثر من الفاكهة والخضراوات الطازجة 7. ابق فمك مشغولاً بتناول حبات النعناع أو أي شيء آخر. 8. ابق يديك مشغولتين بمسبحة أو سلسلة مفاتيح أو قلم أو ما شابه. 9. تجنب الجلوس في أماكن بها مدخنون قدر الاستطاعة وأخبر أقاربك وأصدقاءك ومعارفك المدخنين أنك أقلعت عن التدخين. 10. إذا أحسست برغبة ملحة في تدخين سيجارة فهذا طبيعي، قاوم هذه الرغبة فسوف تختفي خلال دقائق معدودة، خذ نفساً عميقاً واشغل نفسك خلال هذه الفترة بأي شيء مثل الجلوس مع عائلتك أو الانشغال بأي هواية تحبها وسوف يقل هذا الإحساس تدريجياً. 11. حاول الابتعاد عن كل ما يثير أعصابك خلال هذه الفترة. 12. مارس بعضاً من الرياضة الخفيفة مثل رياضة المشي في الهواء الطلق يومياً أو أي رياضة تفضلها. 13. إذا لم تستطع أن تنفذ هذه الخطوات وحدك فاستعن بطبيب أو بمن يمكنه مساعدتك. زين العابدين جبارة