تحتفل الجزائر بالذكرى ال58 لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى في ظروف جد متميزة بعد اعتراف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمسؤولية بلاده حيال الجرائم التي ارتكبتها قوات الشرطة الفرنسية في حق الجزائريين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961، وحسب آراء عدد من طلبة معهد التاريخ فإن الاعتراف يعد مكسبا جديدا للقضية الجزائرية في انتظار فتح المجال لاستغلال الأرشيف الوطني الفرنسي بما يخدم عملية تأريخ فترة الاحتلال وسد العديد من الثغرات التاريخية مما يسمح بكشف العديد من الحقائق. وحسب رأي الطالب “عبد الرحمان” الذي يدرس بالسنة الثالث بمعهد التاريخ بجامعة العلوم الإنسانية ببوزريعة فإن الفاتح نوفمبر يعد من بين أهم المحطات التاريخية من منطلق أنها كانت تمثل الانطلاقة الرسمية للكفاح المسلح الذي غلب فكرة الكفاح السياسي. مشيرا إلى أن مختلف الكتب التاريخية التي تطرقت للحدث أسهبت كثيرا في الحديث عن عدة تفاصيل تخص نشاط مختلف الحركات السياسية والجهة التي كانت وراء التحضير لانطلاق أول رصاصة معلنة انطلاق الكفاح المسلح، غير أن التطرق لكرونولوجيا الأحداث في تلك الفترة تتضمن العديد من النقائص خاصة عندما يتعلق الأمر بسرد الأحداث، حسب السنوات التي وقعت فيها، وعليه فإن المرحلة الثانية بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بمسؤولية بلاده في عدد من الجرائم هي التفكير في كيفية دفع فرنسا إلى إرجاع عدد من الأرشيف إلى المكتبات الجزائرية لتصحيح العديد من الأخطاء التاريخية وكشف الحقائق. من جهتها، أشارت الطالبة “صونيا” إلى أن بيان أول نوفمبر يعد اللبنة الأولى لبناء الجزائر المستقلة، مضيفة أن معرفتها بالأحداث قبل التحاقها بالجامعة كانت جد سطحية رغم أهميتها، مقترحة على وزارة التربية الوطنية الاهتمام أكثر بالمعلومات التي يتم تلقينها لتلاميذ مختلف الأطوار التعليمية من منطلق أنه ليس هناك شعب من دون تاريخ، وعليه يجب الحرص على تلقين أبنائها المبادئ الحقيقية لجيل الثروة التحريرية ليكون خير خلف لخير سلف، أما عن نظرتها للذكرى فأشارت الطالبة إلى أن الفاتح نوفمبر يمكن أن نصفه بالقلب النابض الذي انتفض بسبب الجرائم التي كان يرتكبها الاستعمار ضد الشعب الجزائري. أما “سليم” طالب بقسم السنة الرابعة فيجزم أن بيان الفاتح نوفمبر يعد وثيقة تاريخية هامة ساهمت في بناء دولة جزائر ما بعد الاستقلال، مشيرا إلى أن الوثيقة وحدها يمكن أن تكتب عنها رسائل دكتوراه لما تتضمنه من مبادئ كونها معلما خالدا ساهم في تسطير مختلف التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها الجزائر إلى غاية اليوم. والدليل على ذلك أن كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة كانت تستلهم قوتها من البيان، لذلك نحن المتخصصون في شعبة التاريخ لنا نظرة خاصة لهذه الحقبة التي اختار فيها الثوار لغة السلاح عوض السياسة ليتم لأول مرة الحديث علانية عن فكرة الاستقلال التام. وبما أن معهد التاريخ يخص مادة تاريخ الجزائر حيزا هاما في البرنامج البيداغوجي، كونها المادة الوحيدة التي تمتد فترة دراستها طوال سنوات التدرج لنيل شهادة الليسانس أو الماستر في التاريخ فإن المصادر التاريخية من كتب ومجلات تعد من بين أهم محاور التدريس من منطلق أن الطلبة مطالبون بإعداد أبحاث حول عدة مواضيع وأحداث تاريخية، غير أن مكتبة المعهد وباقي المكتبات الجامعية تشهد نقصا فادحا في المصادر التاريخية على حد تعبير عدد من الطلبة، وبمناسبة الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة رفع عدد من الطلبة وحتى الأساتذة دعوة للمجاهدين وكل من عايش فترة الثورة التحريرية الكبرى إلى كتابة مذكراتهم قبل فوات الأوان، معترفين بوجود ثغرات تاريخة لا يمكن ملؤها دون الرجوع إلى المصادر، كما طالب طلبة المعهد وزارة المجاهدين ببذل جهود إضافية بهذه المناسبة لدفع السلطات الفرنسية إلى فتح أرشيفها الوطني أمام المؤرخين الجزائريين. وحسب تصريح الأستاذ تلمساني بن يوسف من معهد التاريخ فإن كتابة تاريخ الثورة الجزائرية لا تزال أمامه أشواط طويلة يجب قطعها. مشيرا إلى نقص معاهد التاريخ بعد الاستقلال، حيث كان عددها لا يتعدى ثلاثة معاهد بكل من قسنطينة، وهرانوالجزائر العاصمة، مع توجه معظم الطلبة المتخرجين إلى التعليم الأكاديمي لتدريس مادة التاريخ من دون التفكير في التخصص في تاريخ الثورة التحريرية ما انعكس سلبا على المعارف التي كان التلميذ يتلقاها خلال مشواره الدراسي بخصوص هذه المادة، فلغاية 1989 كانت المعلومات المتعلقة بتاريخ الجزائر تتوقف عند سنة 1945 بسبب توقف برنامج اللجنة البيداغوجية عند هذه الفترة ليتم استدراك الأمر خلال سنوات التسعينات بعد استحداث المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية شهر أوت 1995 لتشرع الجزائر في التأريخ للثورة التحريرية الكبرى وتوفير المصادر والمراجع للطلبة الراغبين في التدرج في التعليم العالمي في تخصص الثورة التحريرية، وانطلاقا من هذه الفترة تم تعديل البرنامج البيداغوجي ليدرس تاريخ الجزائر إلى غاية سنة 1962 وهو تاريخ الاستقلال، أما بالنسبة لطلبة معاهد التاريخ فيتم تقسيم تاريخ الجزائر حسب سنوات التدريس من سنة 1830 تاريخ دخول الاستعمار من ميناء سيدي فرج إلى غاية اتفاقيات ايفيان وإعلان الاستقلال سنة 1962 في السنة الرابعة شعبة التاريخ. أما فيما يخص الاعتراف الأخير للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بخصوص الجرائم التي اقترفتها الشرطة الفرنسية في حق الجزائريين خلال مظاهرات 1961، أكد الأستاذ أنها تعتبر قطرة ماء في بحر، فالاعتراف لا يكفي اليوم ما دمنا طالبنا بالاعتذار كذلك، وهي المحطة الثانية التي يتوقعها المؤرخون من الطرف الفرنسي.