أكد وزير الاتصال، السيد محمد السعيد، أن نجاح المؤسسات الاعلامية العمومية في أداء دورها يتطلب توفر جملة من الشروط، أهمها أن يكون مسؤولوها "قدوة" وجريئين في اتخاذ المبادرة واقتناع المسؤولين بزوال المنصب وعدم تضييع الوقت في انتقاد المسؤولين السابقين. وبعد أن عبر عن عدم رضاه على وضعية الصحافة المكتوبة العمومية في عصر التعددية والمنافسة، تمنى أن تعرف "انطلاقة جديدة"، مشددا على أنه لامجال للانتظار، وأن تشجيع الكفاءات يجب أن يكون أهم مقياس تعمل به هذه الصحف. وأوضح الوزير في كلمة ألقاها، أمس، بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين لانشاء جريدة "الشعب" بقصر الثقافة "مفدي زكرياء"، أن المسؤول على الصحافة العمومية يجب أن يكون قدوة لغيره من خلال قدرته وكفاءته في التسيير والصرامة في العمل إذ لايتهاون بمصلحة المؤسسة، إضافة إلى فرض العدالة بين كل الصحفيين والموظفين والعمال. كما اعتبر أنه من الضروري اقتناع المسؤول بأن يوم تنصيبه "هو بداية العد التنازلي لرحيله الذي لامفر منه"، وهو ما يتطلب منه بذل كل الجهود من أجل التسيير الجيد للمؤسسة، بعيدا عن سياسة "انتقاد المدير السابق"، أو الوقوع "في فخ المساومات". وعن تقييمه للوضع الراهن الذي تعيشه الصحافة العمومية المكتوبة قال الوزير إنه يثير "الحيرة"، مشيرا إلى أنه قبل 1990 كان عندنا ست يوميات مازالت تصدر إلى يومنا هذا، لكن سحبها تراجع بخمس مرات بعد ظهور التعددية الإعلامية التي أفرزت 127 عنوانا و«طلبات الاعتماد مازالت تتهاطل على وزارة الاتصال". وأضاف أن مجموع السحب يصل اليوم إلى مليونين و800 ألف نسخة وإلى 3 ملايين نسخة في الأعياد الوطنية والأحداث المهمة، منها 120 ألف فقط للصحافة العمومية، التي قال إنها تواجه مشاكل وأنها أمام تحد يجبرها على التكيف والتغيير في أسلوب العمل، وإلا فانه محكوم عليها بالزوال التدريجي. بالمقابل اعترف الوزير بوجود مشاكل موضوعية تعيق عملها لاسيما التوزيع، وطالب مسؤوليها بالتفكير في وسيلة ناجعة توصل الجريدة إلى القراء في كل مكان لاسيما في ظل توفر المطابع العمومية. من جانب آخر، ذكر أنه في الاجتماع الأخير للحكومة نشط صندوق دعم الصحافة المكتوبة الذي جمدت أمواله في 2005، وخصص لتكوين الصحفيين في القطاعين العام والخاص. كما ذكر بأن قانون الإعلام الصادر في جانفي الماضي يفرض على المؤسسات الإعلامية تخصيص 2 بالمائة من أرباحها للتكوين. وخلال حديثه عن جريدة "الشعب" التي تحتفل بخمسينيتها، أكد أنها لعبت دورا كبيرا في كل المناسبات الوطنية، وقال إنها جريدة ملتزمة دافعت عن الخط الوطني وصمدت في عهد التعددية، إلا أنه أشار إلى "وقوع إهمال" قال انه "ربما يقصد به شيء معين". وعبر عن أمنيته في أن تكون للجريدة انطلاقة جديدة، مشددا على تشجيع الكفاءات التي "قد تمنع من البروز بسبب انسدادات فوقية". وكشف عن إحصاء 4500 صحفي في الجزائر من بينهم 1500 صحفي يعملون في القطاع العام و700 مراسل، مشيرا إلى أنه بعد توفر الكم لابد من البحث عن النوعية في العمل، وانتقد في السياق بعض الممارسات لدى البعض مثل "التطابق في العمل" والسرقة من الانترنت، وإعادة نشر نفس المقالات في جرائد متعددة. من جهة أخرى، انتقد روح الاتكالية لدى صحفيين آخرين ممن ينتظرون ان تقترح عليهم مواضيع في المكتب، أو الذين يتحدثون عن "التسعيرة النقابية"، معتبرين ان العمل اليومي يقتصر على كتابة خبر أو خبرين. وتعليقا على كلمة الوزير، قالت المديرة العامة لجريدة "الشعب" السيدة أمينة دبش انه "رغم قساوة الملاحظات"، فإنها تدرك أنها نابعة من غيرة الوزير على القطاع العمومي ورغبته في تحفيزه، مشيرة إلى أنها اختارت الاحتفاء بذكرى خمسينية الجريدة بطرح واقع هذا القطاع للنقاش، نظرا لأهمية هذه الاشكالية، في ظل النظرة السلبية لكل ما هو "تابع للدولة". أما الأستاذ والباحث رشيد فريح، فقد بدا مدافعا عن القطاع الاعلامي العمومي، في الكلمة التي ألقاها حول مفهوم الخدمة العمومية في الاعلام، إذ انتقد القطاع الخاص بشدة، معتبرا انه أصبح مجرد قطاع تجاري يلهث وراء الربح من خلال تسويق أخبار في مجملها سلبية عن المجتمع فضلا عن أخبار العنف، لدرجة انه ساهم في بث روح سلبية داخل المجتمع الجزائري. فالجمهور –كما أضاف- أصبح "يسوق كبضاعة للمؤسسات الاقتصادية" في حين غابت وظائف الاعلام الحقيقية وهي "التعليم والتربية والترفيه". بالمقابل قال إن جريدة "الشعب" كانت بمنأى عن هذا المد التجاري وانها في معظم أعدادها "كانت تسعى إلى الحفاظ على القيم وربط المواطن بهويته". أما الباحث والأستاذ يوسف فرحي الذي عاد إلى تاريخ نشأة الصحافة العمومية مستعرضا بالتفاصيل كل المراحل التي مرت بها، فانه شدد على القول بأن المشكل الحقيقي الذي تعيشه الصحافة الجزائرية اليوم هو "النقص الفادح في الاحترافية". أما وزير الاتصال الأسبق السيد محمد عبو، فقد اختار في كلمته أن يطرح مسألة تحديد المفاهيم عند الحديث عن الصحافة، مشيرا إلى أن الخدمة العمومية لاتختص بها الصحافة التابعة للدولة، كما أن الاستقلالية ليست صفة تميز القطاع الخاص فقط. فالمفهومان -كما أوضح- غير مرتبطين بالوضع القانوني للوسيلة الاعلامية. وقال إن للصحافة طبيعتان الأولى تجارية وهي تتحقق عن طريق البيع والمقروئية وأحيانا تمويل الدولة، والثانية ثقافية، إذ كلما كان محتواها جيدا كلما زادت مقروئيتها وبالتالي قيمتها التجارية، مضيفا بأن لها وظيفتان هما الاعلام والترفيه أي "نشر الواقع والهروب من الواقع في نفس الوقت" على حد تعبيره، دون إهمال وظيفة التوثيق. وعن الصحافة العمومية قال أنها لعبت دورا كبيرا قبل التعددية، لأنه كان لها جانب نقدي محض "لم تكن صحافة دولة"، بعدها وقع ماسماه ب«الانحراف" أي احتكارها من طرف مسؤولين سياسيين، واكتفائها ب«المدح"، معتبرا انه يجب التساؤل عن أسباب "انغلاق" الصحافة العمومية ومن يقف وراءه. ومن خلال فتح باب النقاش للحاضرين، تم استعراض بعض المشاكل التي تعاني منها الصحافة العمومية على رأسها التوزيع، كما أشار إليه السيد بوسوسة وهو صحفي من جريدة "المجاهد" الذي تساءل "لم المشكل مطروح لدى الصحف العمومية وليس الصحف الخاصة؟" وكذا الصحفي حبيب راشدين -الذي قدم اقتراحا بتنظيم تعاضديات تشمل المؤسسات تتولى التوزيع- أما المدير العام للمطبعة السيد مشاط فقد اعتبر أنه بالاضافة الى التوزيع الذي تشوبه ممارسات "مافيوية" مثل غياب السجلات التجارية لدى الموزعين، فانه يمكن الحديث عن مشكل غياب الدراسات الميدانية التي يمكنها أن تعرف باحتياجات القارئ الحقيقية لاسيما لدى الجيل الجديد "الذي لانعرف عقليته وأفكاره"، مشيرا إلى ضرورة تطور قطاع الصحافة في وقت تتراجع فيه المقروئية، لكنه شدد على أن الأمر مرهون بتطور المجتمع ككل. وإذ طرحت المديرة العامة لجريدة "المجاهد" السيدة نعمة عباس سؤالا مفاده "أي صحافة نريد اليوم؟"، فإن الصحفي حبيب راشدين اعتبر ان الاشكال المطروح اليوم هو غياب الاحترافية على مستوى كل الصحافة عمومية أو خاصة في ظل تعدد العناوين، موضحا أننا اليوم نعيش "تعددية في العناوين وليس في المقاربات". وشدد على تنظيم المهنة ووضع معايير واضحة لممارستها، ودعا الدولة إلى اعتبار الصحافة قطاعا استراتيجيا وتخصيص كل الامكانيات لها "لأنها في الخط الأمامي للدفاع عن الوطن" لاسيما في الظروف الراهنة. أما عميد كلية العلوم السياسية والاعلام السيد احمد حمدي فقد عاد إلى أهمية جريدة "الشعب" من حيث التوثيق وقال "أنها أول جريدة في تاريخ الجزائر كلها كجريدة يومية باللغة العربية، وتعتبر مدرسة، فهي تسجل يوميات الجزائر منذ 50 سنة، فأي باحث عندما يعود إلى أي قضية سيجد أن هناك تسجيلا لكل ما جرى"، مضيفا أن الأدب الجزائري الحديث ولد في أحضان جريدة الشعب ولكن نقص الآن، مطالبا إياها بأن تعود إلى دورها الريادي في الثقافة الجزائرية. للإشارة، فإن جريدة "الشعب" برمجت حفلا بمناسبة خمسينيتها لتكريم كل مدرائها السابقين الذين تداولوا عليها طيلة خمسين سنة ومنهم رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح ووزير الشؤون الدينية السيد بوعبد الله غلام الله، ووزير الاتصال السيد محمد السعيد، كما أصدرت مجلة خاصة بها بورتريهات لكل هؤلاء المدراء.