رأيت فيما يرى النائم أني تائه في الصحراء، رأيت حدودها، وكل أطرافها مائلة أمامي، وكأنها خارطة من ورق أتصفحها بعيني، وأتفحص وجوها شاحبة خلت نفسي أنني أعرف أصحابها كلهم حق المعرفة، كيف تجمعوا، وكيف طوتهم الصحراء، وكيف.. لا أدري فالحلم يفعل بي مايشاء، ويريني ما يشاء، ويجمع لي ما لا يجمع. لا أدري لماذا رمتني أحلامي - سامحها الله - في عز الحر وهذا المرمى، وأوقعتني على فوهة تنفث نارا حارقة وجحيما يكاد يكون خالدا، لعل حرارة المحيط، وجو ما قبل النوم هو الذي حبك هذه الخيوط، ورسم هذه المشاهد الخارقة، سألت الناس عن سبب هذا الحشر من البشر، فقيل لي أنهم جاؤوا ليشهدوا تدشين دار للعدالة، شيدت خصيصا لهم تحقق مطالبهم، وتضمن لهم العدل والمساواة في ربوع الصحراء كلها، تذكرت قصة إسماعيل عليه السلام بكل تفاصيلها عندما صهل حصان، وضرب الأرض ثلاث ضربات متتالية بحافره، فتدفق النفط من تحت حافر هذا المخلوق العجيب، الذي لم يألف العيش في مثل هذه الظروف الطبيعية، ونسيت دهشتي عندما سمعت أصواتا تنبعث من أفواه صدئة تدعوهم للتجمهر، وتأمرهم بالإنصات: ثقوا بأن العدل قد تحقق بمجرد الفراغ من بناء دار العدالة في صحرائكم الشاسعة الجميلة، العزيزة.. وأن ما تفجر من تحت حافر فرسكم، وما سيتفجر لاحقا، هو لكم بالتساوي والصحراء شاهدة على ما نقول.... وعندما أيقظتني زوجتي وجدتني أبتسم.