أكد الرئيس الأول للمحكمة العليا، السيد قدور براجع، أمس بالجزائر العاصمة، إمكانية تخفيض عدد القضايا المطعون فيها بالنقض أمام المحكمة العليا بنسبة 30 بالمائة لو تبنى التشريع مبدأ عدم قابلية كل القضايا في جميع المواد للطعن. وقال السيد براجع إنه متمسك بضرورة مواجهة كثرة الملفات التي تتلقاها المحكمة العليا بتحديد المواد القابلة للطعن بالنقض، مشيرا إلى أن ذلك في صالح المتقاضين، الذين غالبا ما تتعطل مصالحهم في قضايا بسيطة لا تحتاج الرجوع إلى المحكمة العليا. في هذا الصدد، أشار الرئيس الأول للمحكمة العليا إلى أن اقتراحه الذي بدأ بفكرة منذ بضعة سنوات قد تم تسجيله في مشروع قيد الدراسة وهو حاليا على مستوى وزارة العدل، مضيفا أن المكتب الدائم للمحكمة العليا الذي يسير هذه الهيئة قد اجتمع ووضع اقتراحاته في موضوع تحديد المواد القابلة للطعن بالنقض والتي يمكن الاكتفاء فيها بالأحكام الابتدائية والثانوية أي المحكمة العادية والمجلس القضائي. وقد تم تحضير المشروع بعد أن اطلعت عليه لجان كل غرف المحكمة العليا وقدمت رأيها واقتراحاتها بشأنه. ورغم تأكيده على حق كل مواطن في العدالة، يرى السيد براجع أنه يمكن الفصل في قضايا السب والشتم والقضايا الخاصة بتعويضات التأمينات وإصدار صك دون رصيد وحوادث المرور في الدرجتين الأولى والثانية دون اللجوء إلى المحكمة العليا. وحجة السيد براجع في ذلك هي أن مهمة المحكمة العليا تقتصر على النظر من الناحية الشكلية والقانونية للقضايا، أي مدى احترام الإجراءات القانونية في القضايا لا أكثر. وأشار السيد براجع إلى أن كل قاض يعالج حوالي 20 قضية في المدني فقط وأن جميع القرارات التي تصدرها المحكمة العليا منشورة قي الموقع الإلكتروني للمحكمة العليا. من جهة أخرى، كشف السيد براجع أنه تم تعويض 6863 مواطنا سجنوا خطأ وأفرج عنهم بعد أن برأتهم أحكام قضائية وذلك منذ سنة 2007 إلى غاية اليوم، مشيرا إلى أن لجنة التعويضات الموجودة على مستوى المحكمة العليا بصدد دراسة 247 ملفا خاصا بتعويض مواطنين برأتهم المحاكم من تهم كانت موجهة لهم وأدخلتهم السجن، كما أنه تم تعويض 6863 متهما سجنوا أو تم إيقافهم خطأ منذ تاريخ إنشاء اللجنة في 2007. وأكد أن الأشخاص الذين تم حجزهم تحت النظر في مراكز الشرطة وثبت بعد ذلك عدم اضطلاعهم في القضايا التي تم توقيفهم بسببها معنيون أيضا بالتعويضات. للإشارة تتكون لجنة التعويضات الموجودة على مستوى المحكمة العليا من 3 قضاة هم رئيس قسم وقاضيان مستشاريان، وتحدد التعويضات عن طريق السلطة التقديرية للقاضي كونها غير محددة قانونا ويتم دفع التعويضات من الخزينة العمومية. في هذا الصدد، أشار الرئيس الأول للمحكمة العليا إلى أن التعويضات مهما كانت قيمتها فإن غالبية المتقاضين ليسوا راضين بها، معترفا بأن أي مبلغ مالي مهما كان لا يمكنه تعويض بريء تم حبسه في السجن ولو لفترة قصيرة جدا. من جهته، أكد رئيس غرفة شؤون الأسرة والمواريث بالمحكمة العليا، السيد عبد القادر الضاوي أن القانون الجزائري يظل "ناقصا" و«قاصرا" فيما يتعلق بقضايا إثبات النسب خارج إطار الزواج، خاصة في الشق الخاص باستخدام الخبرة العلمية. وفي مداخلة له في ثاني يوم من أشغال الملتقى حول "دور الاجتهاد القضائي في تطوير القانون"، أوضح السيد الضاوي أن المشرع الجزائري خصص سبع (7) مواد فقط في قانون الأسرة تتعلق بإثبات النسب في حال عدم وجود عقد الزواج وهذا عكس التشريعات العربية الأخرى على غرار المشرع المغربي الذي خصص في هذا الإطار 20 مادة. كما أضاف المتدخل أنه وبالرجوع إلى التشريع الساري حاليا "يتضح أن القانون يظل ناقصا (...) وقاصرا في حل النزاعات المتعلقة بإثبات النسب المعروضة على المحاكم". وقد نجم عن هذه الوضعية أن "أصبح تدخل المحكمة العليا صعبا في إعطاء تفسير وتحليل للمواد ذات الصلة بهذا الموضوع". وذكر -في هذا الصدد- أن المشرع الجزائري حدد في المادة 40 من قانون الأسرة الحالات الخاصة بإثبات النسب، حيث تنص المادة المذكورة على أنه "يثبت النسب بالزواج الصحيح أو الإقرار أو البينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول". وبما أن المادة "صريحة" فإن القاضي لا يمكنه اللجوء إلى الخبرة العلمية -أي تحليل الحمض النووي- في حالة مطالبة الأم العازبة إثبات نسب إبنها للمدعى عليه. أما عندما يتعلق الأمر باللعان (نفي النسب من طرف الأب) في الوقت الذي تطالب فيه الأم بالعكس أي الإثبات فإن القاضي يستعين في هذه الحالة بالخبرة العلمية. غير أن السيد الضاوي أوضح -في هذا الصدد- أن تقرير الخبرة "لا يعد ملزما ولا يؤخذ به حتى ولو كان إيجابيا، بما أن الأمر يتعلق بعلاقة غير شرعية"، وهو عكس المعمول به في عدد من الدول العربية التي تثبت النسب حتى في هذه الحالة. أما بخصوص حالات الاغتصاب، أشار ممثل المحكمة العليا إلى أنه يحق للضحية الأم رفع دعوى لإثبات النسب في حالة إدانة المدعى عليه بالأفعال المنسوبة إليه وذلك خلال الفترة المنصوص عليها قانونا، أي ستة أشهر بعد إثبات الوقائع. إلا أن السيد الضاوي حرص على التحذير من أن اللجوء إلى تقنية تحليل الحمض النووي في جميع الحالات يعد "مسألة خطيرة" من منطلق أنه يفتح الباب أمام أي شخص يشك في نسب أبناءه للجوء إلى الخبرة العلمية وهو الأمر الذي "يحطم حتما العلاقات الأسرية والاجتماعية".