استبعد الأستاذ الباحث في قسم العلوم السياسية بجامعة الجزائر، السيد صالح سعود، أن تقدم فرنسا على الاعتراف بجرائمها في الجزائر والمغرب العربي عموما على المدى البعيد، كون ذلك سيؤثر في كل مقوماتها السياسية تجاه الخارج، كما حدد المحاضر طبيعة السياسة الخارجية الفرنسية الحالية تجاه المنطقة المغاربية، بالقول إنها تندرج في إطار ما أسماه بسياسة “الاستعمار الناعم” الذي يسعى لضمان التبعية الثقافية والاقتصادية لهذه الدول. وقال السيد سعود، أمس، في ندوة بالمنتدى الجيو-استراتيجي لجريدة “المجاهد” حملت عنوان “السياسة الخارجية الفرنسية في المغرب العربي وتداعياتها على شعوب المنطقة”، إن زيارة الرئيس الفرنسي، السيد فرانسوا هولاند، للجزائر جاءت على خلفية الأوضاع التي تعيشها فرنسا سواء على المستوى الاقتصادي بسبب الأزمة التي تعيشها أوروبا أو حتى على المستوى الإقليمي والدولي، حيث تدحرجت مكانتها ودورها في التعاطي مع القضايا الدولية. وأشار المحاضر المختص في السياسة الخارجية الفرنسية إلى أن الوضع الاقتصادي الذي تعرفه الجزائر ودخولها في خط دعم المنظمات الدولية جعل فرنسا تسارع لتعزيز مكانتها في الجزائر، مضيفا أن هذه الزيارة لم تحمل الجديد، إنما ضمنت استمرارية هذه العلاقات، في الوقت الذي يراهن فيه بعض المتتبعين على أن تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية ديناميكية جديدة مع وصول هولاند إلى الحكم، مشيرا إلى أنه ليس باستطاعة أي رئيس فرنسي إحداث تغييرات في هذه العلاقات، في الوقت الذي تستغل فيه باريس الفرص لإثارة المشاكل السياسية لممارسة ضغوطها كما هو الشأن في قضية رهبان تبحيرين. وعاد السيد سعود للتذكير بطبيعة النظام الاشتراكي الفرنسي بالقول إن “مآسينا جاءتنا من فرانسوا ميتران، حيث ارتفعت في عهده مديونية الجزائر”، في حين أشار بشأن قضية الاعتراف والاعتذار عن الجرائم المرتكبة خلال الثورة التحريرية إلى أنها تحتاج إلى تقنين رغم أنها لا تمثل أولوية ملحة، لكنها ضرورية في نفس الوقت كونها متعلقة بالبعد التاريخي والثقافي أكثر منه السياسي. وفي سياق استعراضه لطبيعة العلاقات الفرنسية بدول المغرب العربي، قال المحاضر إن كل زعماء فرنسا كانوا يتصورون أن البحر المتوسط بحر فرنسي وأن استعمارهم للجزائر كان بهدف استعادة مكانة فقدوها منذ عهد الرومان، كما اعتبروا أن المنطقة المغاربية منطقة عبور إلى افريقيا، ومع تزعزع مكانة فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وإعطائها مكانة لا تستحقها في مجلس الأمن باعتبارها دولة منهزمة، ركزت باريس على مكانتها الجيوبوليتيكية واستراتيجيتها الثقافية في التأثير على القرارات الدولية، في حين تخالف المواثيق التي تقوم عليها سياستها وما جرى في الجزائر لدليل واضح على ذلك. وتحدث السيد سعود عن المصالح الاقتصادية لفرنسا بالقول إنها ثابتة رغم تغير الآليات، مشيرا إلى أن هذا الثبات يناقض ما تعلنه تماما، إذ في الوقت الذي تؤكد فيه أن سياستها تجاه المنطقة المغاربية موحدة وأنها تعمل من أجل أحداث تقارب بين الدول، إلا أنها تعمل عكس ذلك، محملا إياها مسؤولية المشاكل القائمة بين الدول المغاربية. وقال إن باريس لا تتردد في تهديد هذه الدول من شمال البحر المتوسط بخلق مشاكل في حال عدم الانسجام مع سياستها، وأنه “لما أدركت عدم فعالية سياستها أصبحت تهددنا من الجنوب والدليل على ذلك أن طائراتها لا تتوقف عن التحليق على الحدود المغربية الموريتانية بحجة تقديم مساعدات إنسانية”. وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن منطقة المغرب العربي وخصوصا الجزائر تعد البوابة الوحيدة التي يمكن أن تنفذ عبرها فرنسا إلى إفريقيا إلى جانب ما تمثله لها من مصالح اقتصادية هامة، وذكر -في هذا الصدد- بأن الشركات الاقتصادية الأوروبية لا يمكنها المجيء إلى الجزائر إلا عن طريق شركة تأمين التجارة الخارجية الفرنسية (كوفاس)، وحتى الشركات التي تأتي من الولاياتالمتحدةالأمريكية هي في الواقع مؤسسات فرنسية وقدر عدد هذه المؤسسات ب 5 آلاف مؤسسة لها أصول بأمريكا، إضافة إلى التأثير الذي تقوم به باريس على المجموعة الأوروبية من أجل منع المؤسسات الاقتصادية الأخرى من الصين أو الهند مثلا من المجيء إلى الجزائر. وفي تحليله لطبيعة تعاملها مع الدول المغاربية قال إن فرنسا لا تعترف بالبعد الخماسي للمنطقة المغاربية، حيث كثيرا ما تركز على الدول الثلاث (الجزائر، تونس والمغرب)، مشيرا بخصوص الجزائر إلى أن تعامل باريس معها يرتكز بالأساس على البعد الثقافي وتوطين الشراكة وليس المؤسسات الاقتصادية، إذ أن عدم امتلاك الإمكانيات يجعل من هذه الشراكة فرنسية، في حين أن الجزائر تركز على توطين الشركات الاقتصادية بخلق مؤسسات بشرية محلية تستطيع التحكم في الاقتصاد. أما بالنسبة للمغرب فيرى الأستاذ سعود أن فرنسا تعتبرها منطقة تابعة لها ثقافيا واقتصاديا، بل أكثر من ذلك ذهب إلى حد وصف الدور الذي يقوم به بأنه مكمل لما تقوم به فرنسا في المغرب العربي، مشيرا إلى أنه تم الحفاظ على الملكية وتجذير المفهوم لدى الشعب المغربي، أما على المستوى الاقتصادي، فأوضح أن المؤسسات الفرنسية تشرف على 51 بالمائة من المشاريع الاستثمارية بالمغرب، لا سيما الخدماتية منها، في حين نجد دعما من باريس للرباط بخصوص قضية الصحراء الغربية. وفي قراءته لمستقبل علاقتها مع الدول المغاربية، قال المحاضر إن فرنسا ستعمل على التمسك بنهج الاستعمار الناعم مع ليبيا في حين أن مصير تونس واضح من خلال تشجيع المرحلة الانتقالية التي تخدم مصالحها، أما فيما يتعلق بالجزائر “فإننا سنشهد استمرار عملية الشد ولن نتغير حتى نغير ما بأنفسنا ونغير نظرة الآخر الينا”. من جهته، أشار المحلل السياسي محند برقوق، الذي نشط الندوة إلى أن فرنسا اعتمدت على المغرب في تدخلاتها العسكرية في إفريقيا وغير بعيد عن القارة السمراء، قال برقوق إن الاتفاق الموقع يوم الجمعة بالجزائر بين حركتي الأزواد وأنصار الدين متطابق مع الوثيقتين الإفريقيتين بخصوص أزمة مالي، كما هو الشأن لطريقة عمل “الإيكواس”، داعيا الحكومة الانتقالية ببماكو إلى الإسراع في تنظيم الانتخابات التشريعية، كما أشار -من جهة أخرى- إلى أن فرنسا تتحدث عن تدخل عسكري في الثلاثي الأول من السنة الداخلة وهو ما يتناقض مع قرار الأممالمتحدة.