يبدو أن تخوفات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عشية الانتخابات الجزئية لمجلس الأمة كانت مؤسسة، نظرا للنتائج التي خرجت بها تشكيلته السياسية في الانتخابات الجزئية لتجديد نصف أعضاء مجلس الأمة التي جرت السبت الماضي. ركز السيد عبد العزيز بلخادم في لقاء جمعه بمنتخبي الحزب على مستوى العاصمة مساء الأربعاء الماضي على ضرورة توحيد الصفوف والتصويت الموحد لصالح مرشحي الحزب في هذه الانتخابات وتغليب المصلحة الجماعية على المصالح الفردية، لكن تراجع الحزب العتيد إلى المرتبة الثانية حسب النتائج الرسمية للانتخابات تشير إلى مدى تأثير الصراعات الداخلية في "الأفلان" رغم قدرته على تجاوز امتحان المحليات بنجاح نسبي، فالغريم المباشر التجمع الوطني الديمقراطي تمكن من حصد 24 مقعدا في الغرفة العليا مقابل 17 مقعدا ل "الأفلان" من بين 48 مقعدا أجري عليها التصويت. وما يمكن أن يؤرق الأفلان هو كون "الأرندي" تحصل على هذه النتائج الإيجابية في وقت يعيش فيه هو الآخر صراعات داخلية جدية؛ فالتجمع الذي كان إلى حد الآن في منأى عن الهزات الداخلية التي مست الكثير من الأحزاب، دخل دوامة التصحيحيات التي اتسعت بعد أن أبعد أمينه العام أحمد أويحيى من رئاسة الحكومة في التعديل الأخير. ويرى البعض أنه رغم هذا التراجع، فإن المعادلة تبقى نفسها من حيث أن الأمور تلعب في كل الانتخابات بين الأفلان والأرندي، أي الحزبين الوطنيين المتحصلين على الأغلبية في كل الاستحقاقات، في الوقت الذي تعيش الأحزاب الإسلامية ضربة موجعة جديدة تدل على تأخر ركبها بطريقة غير مسبوقة في الساحة السياسية الجزائرية، فلم تتحصل هذه الأخيرة، ممثلة في حركة مجتمع السلم، على أي مقعد، في وقت تمكنت فيه أحزاب "صغيرة" من افتكاك مقاعد منها عهد 54، جبهة المستقبل والحركة الشعبية الجزائرية التي تحصل كل واحد منها على مقعد، فيما تمكنت جبهة القوى الاشتراكية من افتكاك مقعدي تيزي وزو وبجاية. وتترسخ بالتالي النتائج الكارثية لهذا التيار في الاستحقاقات المختلفة، لاسيما بعد أن عرف تفككا في قواعده التي انقسمت بعد أن انسلخ أعضاء قياديون من حركة مجتمع السلم ليشكلوا أحزابا جديدة، فضلا عن التململ الذي عرفته تشكيلات محسوبة على نفس التيار والتي فقدت قياداتها الواحد تلو الآخر، الذين فضلوا -بدورهم- خلق أحزابا أخرى بعد فتح المجال أمام الاعتماد. ومن خلال هذه النتائج التي يرتقب أن يرسمها المجلس الدستوري خلال الأيام القادمة بعد النظر في الطعون، فإن الأرندي يصبح القوة الأولى في الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري من خلال شغله 44 مقعدا عوض 33 مقعدا السابقة، فيما يأتي الأفلان في المرتبة الثانية بمجموع 39 مقعدا بعيدا عن العدد السابق البالغ 56 مقعدا. مع ذلك فإن الآفلان يحافظ على الأغلبية البرلمانية في الغرفتين معا ويبقى القوة السياسية الأولى في الهيئة التشريعية التي تستعد لمناقشة العديد من القوانين الهامة ومنها تعديل الدستور، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية العام الماضي، وهو بالتالي يملك أوراقا هامة لتحديد الإصلاحات السياسية القادمة في الجزائر عبر نوابه في البرلمان، وهو ما يجعله كذلك مسؤولا رئيسيا عن ملامح المرحلة القادمة في البلاد، إضافة إلى الأرندي صاحب المرتبة الثانية. ولعل هذا ما دفع الأمين العام للأفلان، عبد العزيز بلخادم، للكشف عن بعض المقترحات التي سيقدمها حزبه لرئيس الجمهورية في إطار إصلاح الدستور والمتعلقة بمجلس الأمة، وذلك عشية انتخابات التجديد النصفي، حيث أكد أمام منتخبيه سعي الأفلان لتقديم اقتراحات لرئيس الجمهورية في إطار تعديل الدستور، ترمي لتمكين مجلس الأمة مستقبلا من سن قوانين في مجالات معينة، منها الجماعات المحلية والتخطيط والتنمية المحلية وإعطاء صلاحيات التعديل القانوني أو اقتراح القوانين بمجالات معينة، مرتبطة بصلاحيات مجلس الأمة. كما طالب بأن يضم الدستور القادم بابا خاصا بالرقابة بكل أنواعها "من أجل التمكين لوضع حد للتجاوزات مهما كان نوعها"، وأن تعالج الإصلاحات الدستورية ظاهرة التجوال السياسي، التي انتقدها رغم أن حزبه استفاد منها كثيرا بانضمام عدد من المنتخبين إليه بعد فوزهم ضمن أحزاب أخرى في الانتخابات السابقة. للتذكير، تأسس مجلس الأمة بموجب أحكام الدستور المعدل بتاريخ 28 نوفمبر 1996، والذي يحتوي على 182 مادة من بينها 52 مادة تتعلق بمجلس الأمة، وقد نصت المادة 98 منه على أنّه "يُمارس السلطة التشريعية" برلمان يتكون من غرفتين هما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. ويتشكل مجلس الأمة من 144 عضوا، يتم انتخاب ثلثي أعضائه (2/3) عن طريق الاقتراع العام غير المباشر والسري من بين ومن طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الولائي بعضوين (02) عن كل ولاية (بمجموع 96 عضوا)، ويُعيّن رئيس الجمهورية الثلث الآخر (1/3)، أي 48 عضوا من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والثقافية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية. ويشترط في عضوية مجلس الأمة بلوغ سن الأربعين، وقد حُدِّدت عهدة عضو مجلس الأمة بست سنوات ويتم تجديد نصف أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات، وتُسمى هذه العملية بالتجديد الجزئي. للإشارة، ترشح للانتخابات الأخيرة 342 مرشحا من بين المنتخبين الفائزين في الانتخابات المحلية التي جرت في ال 29 نوفمبر الماضي. وتكمن أهمية انتخابات مجلس الأمة في كون رئيس الغرفة الثانية في البرلمان يمارس مهام رئيس الجمهورية في حالة شغور المنصب بسبب المرض المزمن أو الاستقالة أو الوفاة، كما ينص الدستور. كما يمكن لمجلس الأمة، باعتباره يمارس السلطة التشريعية إلى جانب المجلس الشعبي الوطني، أن يوقف القوانين في حال عدم التصويت عليها بأغلبية 108 أصوات (ثلاثة أرباع عدد الأعضاء).