لم تسفر الانتخابات النيابية المسبقة في إسرائيل عن أي جديد بعد أن كرست هيمنة اليمين المتطرف بقيادة الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رغم تراجع نتائجه النهائية بأزيد من 11 مقعدا برلمانيا. ولم تكن نتيجة هذه الانتخابات مفاجأة لكثير من المتتبعين الذين اعتبروا أنها مجرد نسخة مستنسخة للانتخابات السابقة التي عرفت هيمنة اليمين العنصري على المشهد السياسي في إسرائيل وهي لذلك لن تغير في شيء من التوجهات السياسية العامة في هذا الكيان، خاصة ما تعلق بمفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وقد لخصت حنان عشراوي، عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذا الموقف بأنها لم تنتظر "ائتلافا من أجل السلام في إسرائيل" في إشارة إلى أن عملية السلام ستعرف مزيدا من التعثر وأن الاستيطان سيزداد وأن بوادر السلام ستبتعد أكثر فأكثر في ظل منطق الهيمنة الذي تريد إسرائيل فرضه على الجانب الفلسطيني. وقالت عشراوي في أول رد فعل فلسطيني على نتائج الانتخابات الإسرائيلية إنها لا تنتظر بروز ائتلاف من أجل السلام في إسرائيل بل إنها أبدت تشاؤما كبيرا في إمكانية عودة فرص السلام. وإلى حد الآن لم يشر الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى قضية السلام وركز كل تفكيره على شكل الحكومة التي يريد تشكيلها وقال إنها ستكون موسعة وبما يتماشى ورغبة الإسرائيليين في تحقيق التغيير. وهو ما يؤكد أن اليمين الإسرائيلي لم يتغير في شيء عندما يتعلق الأمر بعملية السلام والمفاوضات مع الجانب الفلسطيني وجعلت المسؤولين الفلسطينيين يجمعون على القول إن معيار التعامل مع الحكومة الإسرائيلية القادمة يبقى مدى التزامها بحل الدولتين والتوقف عن سياسات الاستيطان. وقال ياسر عبد ربه إن المهم بالنسبة للفلسطينيين ليس تركيبة الحكومة المقبلة بقدر التزامها بحل الدولتين والمضي جديا تجاه تحقيق السلام. وهو الموقف الذي دافع عنه الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، الذي أكد أن الحكومة الإسرائيلية القادمة يجب أن تلتزم بمبادئ عملية السلام على أساس حل الدولتين ووقف الاستيطان والتزامها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر الماضي القاضي بترقية مكانة فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو على الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس. ويبدو أن الموقف الفلسطيني يريد أن يستثمر في تراجع ائتلاف حزبي الليكود بقيادة نتانياهو وإسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور اللذان لم يحصلا سوى على 31 مقعدا فقط في مقابل النتيجة المفاجئة وغير المتوقعة التي حققها حزب يشا اتيد (هناك مستقبل) الذي يقوده الصحفي يائير لابيد المحسوب على تيار وسط اليمين بفوزه ب 19 مقعدا نيابيا مما جعله ثاني حزب سياسي في الخارطة السياسية الإسرائيلية متقدما على حزب العمال بزعامة شيلي ياكيموفيتش بثلاثة مقاعد نيابية. وهو ما يفسر قرار نتانياهو قبول إشراك كل الأحزاب السياسية الفائزة بمقاعد نيابية في حكومته حتى يضمن عدم لجوئها إلى سحب الثقة من حكومته في منتصف الطريق. ودعا لأجل ذلك الأحزاب اليسارية إلى توحيد قواها من أجل تشكيل حكومة موسعة وعدم تركها حكرا على الأحزاب اليمينية من أجل إحداث تغيير حقيقي وعملي. وحسب متتبعين فإن نتانياهو وجد نفسه مرغما على إقحام الحزب الجديد في حكومته وذهب إلى حد التعبير عن استعداده لمنح حزب يائير لابيد حقائب سيادية بما فيها وزارة الدفاع والخارجية والمالية. ولكن هل يقبل ثاني القوى السياسية الإسرائيلية الدخول في حكومة بدأت تلوح بعمل عسكري ضد إيران ضمن أولى أولوياتها وهي التي تنتهج مواقف معتدلة. وهو ما يدفع إلى القول إنّ نتانياهو إن هو أراد أن يضمن مشاركة حزب "هناك مستقبل" في حكومته فإنه سيكون مضطرا لإعادة النظر في سياسة الاستيطان التي راهن عليها كورقة رابحة في هذه الانتخابات ويتراجع عن كثير من المشاريع الاستيطانية، كما أنه سيكون مرغما على إعادة الدفء إلى علاقته مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد عداء معلن ضده ولم يخف لو أن ميت رومني فاز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ماجعل كثيرا من المتتبعين يؤكدون أن لابيد أصبح قوة محورية في الساحة السياسية الإسرائيلية ودونه لن يتمكن نتانياهو من تشكيل حكومته وهو ما يجعله في موقع قوة تؤهله لفرض شروطه مقابل الانضمام إلى حكومة يقودها اليمين المتطرف.