القاص المبدع وعالم الاجتماع الجزائري، عمار بلحسن الذي رحل وفي نفسه شيء من القصة، الإبداع والبحث الذي لم تزل أسئلته تتوالد ومشاكله تتعقد وتتشابك، رحل بلحسن وترك حرائق البحر قائمة، والتعريب ما يزال يرتدي عباءة الريف ويأكل التراث، ويبحث له عن موضع قدم في مدينة متوحشة تصعب فيها مطاردة التكنولوجيا التي هيمنت على الحياة كأداة، وتحاول التهام ما تبقى من أخلاق، عادات وتقاليد، هذا الرجل الاجتماعي الفكر نظمت له جمعية الكلمة للثقافة والإعلام نهاية الأسبوع، ندوة حول فكره، وأدبه وحياته بمدرج بن بعطوش بالجامعة المركزية، نشطتها مجموعة من الأساتذة،و الأدباء والنقاد. دأبت جمعية الكلمة للثقافة والإعلام أن تسترجع في مناسبة وغير مناسبة، رجالا عملوا في حقول المعرفة، ثم رحلوا عنا تاركين أعمالهم ومنجزاتهم، منها ما بقي يصارع النسيان والموت، ومنها ما حجبه النسيان، ومن هؤلاء الرجال، المفكر والقاص عمار بلحسن رحمه الله. وقد جمع الله في هذه الندوة، أساتذة عرفوا عمار بلحسن الإنسان والمفكر والقاص، ومنهم الدكتور والأديب القاص مصطفى فاسي، الأديب الدكتور محمد ساري، الدكتور الأديب أمين الزاوي، الأستاذ الأديب شريف لدرع، ومجموعة من معارفه وطلاب الأدب. في البداية، تناول الكلمة الدكتور مصطفى فاسي، حيث استعرض أهم المحطات التي جمعته والأديب الراحل، وإمضاء ذاكرته لاسترجاع هذه المحطات بعد عشرين سنة من رحيله. وحدث مصطفى فاسي عن معرفته صدفة لعمار بلحسن ككاتب، من خلال مسابقة نظمها اتحاد الكتاب الجزائريين، وكان فيها فاسي مع مجموعة من الأساتذة والأدباء، انتخبهم الاتحاد لقراءة القصص المشاركة في المسابقة. ويضيف فاسي أنه في هذه القراءة عثر على قصة جميلة قرأها وأعاد قراءتها على بقية الأساتذة، منهم السائحي الكبير وأبي العيد دودو، ولم يعارض أحد من اللجنة على اختيارها لنيل الجائزة الأولى في المسابقة، بعد اتفاقهم على أن قصته متميزة وذات نكهة خاصة. أما المحطة الثانية التي وقف عندها الدكتور فاسي رفقة عمار بلحسن، فقد كانت بطرابلس الغرب سنة 1977، في دورة الكتاب العرب، حيث كان يجلس مطولا مع بلحسن الذي كان هادئا، وتدخله في الملتقى كان تدخلا يتميز بالعمق والدقة في مفاصل الموضوع المبحوث فيه، وكان بلحسن يضيف فاسي يحب البحر، وعنون مجموعته القصصية ب ”حرائق البحر”. وكان من الأدباء الذين حضروا الندوة ومن محبي البحر؛ الشاعر مظفر النواب، وكان الوقت صيفا والمكان قريب من الشاطئ، فذهب مظفر النواب للاستحمام والسباحة، فلحقه عمار بلحسن. المحطة الأخرى التي التقى فيها فاسي ببلحسن كانت بالقاهرة سنة 1990، حيث شارك بلحسن في الجمعية العربية لعلم الاجتماع، وكان الأساتذة من مصر والدول العربية يخاطبون عمار على أساس أنّه عالم اجتماع، وعندما أعلمتهم أنّه كاتب، زاد إعجابهم به. أما المحطة الأخيرة التي توقف عندها الدكتور فاسي، فهي مرض عمار بلحسن ودخوله مستشفى عين النعجة. أما من حيث عائلته، فقد أوضح فاسي أن عمار بلحسن من عائلة متواضعة وبسيطة، عاش الثورة طفلا صغيرا، ومع بدايات الاستقلال، انتقل من الريف إلى مدينة وهران وفي قصصه الكثير من هذا الانتقال. أما الروائي محمد ساري، فقد رأى في عمار بلحسن القاص، المفكر والباحث في علم الاجتماع، كتب في القصة القصيرة منذ بداياته الأولى، نشر “حرائق البحر” في بغداد سنة 1981، وله مجموعات قصصية أخرى، وهو من حيث الشكل كتب في القصة الحديثة من بداية تجربته الأولى، القصة القائمة على التطور الأفقي بلغة واصفة لم يكن يخرج ذاته من عمله القصصي، حيث نجد في أعماله شحنة عاطفية وغنائية كبيرة، يوظف لغة متشظية ومتدفقة، معطيا فيها الاعتبار البعد النفسي للمتلفظ، وكان كثير الانتقاد للكتابة الكلاسيكية، ومهووسا بالحداثة. من جانبه، تناول الأمين الزاوي بلحسن من زاوية الباحث والقاص والإنسان، وقد ذكر الزاوي أنه اشتغل مع بلحسن في الصحافة في جريد ”الجمهورية”، كما أنه الزاوي أنجز مع بلحسن أعمالا قصصية مشتركة، أما من جانب بلحسن كباحث، فقد أكد الزاوي أن بلحسن هو أول من أدخل سيسيولوجيا الأدب إلى الجزائر، وقد كان باحثا عصاميا، مجتهدا ومعربا، حيث لاحظ الانقسام الموجود بين المثقفين في اللغة. أما عن مكانته الأدبية والإبداعية، فقد أكّد الزاوي أنّه لو كان بلحسن مصريا أو لبنانيا لكان بقامة زكريا ثامر ومحمد خضر أو يوسف إدريس، وللأسف أنه وجد في بلد يكاد يكون مفصولا عن خريطة الأدب العربي. وعن جانب عمار بلحسن الإنسان، فقد أكد الزاوي أنه تربطه به صداقة عائلية، فهو يحب الموسيقى، الفلكلور، ”جاك بلار”، الشيخ إمام والعلاوي. وقد زاد في إثراء الندوة مجموعة من الأساتذة الحضور؛ منهم الأستاذ الشريف الأدرع وبعض من عرف الراحل عمار بلحسن الكاتب الذي كتب في القصة، في السيناريو وفي الشعر. شكرا للشاعر عبد العالي مزغيش رئيس جمعية الكلمة الذي أتحف الحضور في هذه الندوة بقصيدة شعرية، مجد فيها الشهداء وعزة وكرامة الجزائريين من الأمير إلى التحرير، وأعرب عن أصالتهم، وتميزهم وأنفتهم.