عندما تصدح الكلمات فتطغى على دمدمة الرعد وقسوة العواصف، تؤكد أن من الكلمة وحدها تولد الحكمة، وبها ينضج العقل، ومن خلالها تصبح للحرية راية، وللموت في سبيلها لذّة، وبالكلمة نستطيع أن نثمن قيمة الأوطان، ونهتدي لعظمة الشهادة، وبالكلمة أدركنا أن للعلم شجرة دانية قطوفها، وكلمة ”صدى الأقلام” كانت سيّدة من حرّات الجزائر، ناضلت وسارت في طريق العلم والمعرفة والجهاد، وآمنت كبقية حرّات الجزائر وأحرارها، أنّ الحياة تؤخذ غلابا، إنها السيدة زهور ونيسي، المرأة والأديبة والمسؤولة التي قدمت يومياتها ”الشوك والزهور” أمس بالمسرح الوطني بمناسبة صدور كتابها الجديد. بكل أناقتها الفكرية ورشاقتها الأدبية كانت ”جامعة الزهور” زهور ونيسي باقة ورد تنشر أريجها بالكلمات ولم تنكر أن في الورد شوكا وهكذا هي الحياة ألم وفرح، من تلك الطفلة القسنطينية التي حملت صباها بين عينيها وذاكرتها وجمعت نفسها في يومياتها، قسنطينةالمدينة المشرئبة للسماء، المعلقة في القمم، قسنطينة بجواريها القديمة، في قصبتها التي يتأبطها التاريخ، قسنطينة التي جمعت في قلبها النابض صنوف الناس، وبسطت كفيها المعرقتين بالماء والاخضرار والصخور، في هذه المدينة التي تضج بالأحلام فتحت زهور ونيسي عينيها في أسرة جزائرية بسيطة، أب بناء وأم تدير مؤسستها العائلية بحكمة واقتصاد، لأن موسم اشتغال الأب البناء هو موسم الربيع والصيف. بهذه الكلمات احتضنتنا بابتسامتها مؤكدة وجودها بيننا ما جعلها ترجح سبب كتابتها هذا الكتاب ”مسيرة الشوك والزهور”، ولماذا جاء هذا الكتاب؟، قالت أنها نشطت في كتابة القصة القصيرة والرواية ونسجت خيوط يومياتها هذه واستغرقت حياكتها لهذه اليوميات عشر سنوات كاملة. اليوميات قالت زهور أنها بدأت من مولدها إلى يومنا هذا، وهذه اليوميات عبارة عن شهادة لمراحل عاشتها، وهي نفس الوقت إبداع وأدب، كتبتها بمشاعرها فجاءت في نسيج رواية. وعن كتابة اليوميات قالت زهور ونيسي هي ليست حكرا على الزعماء والعظماء لأن التجربة والخبرة وحدهما اللتين تجعلان هذا الشخص أو ذاك عظيما. أمّا بالنسبة إلى ”أنا” الكاتب حينما يكتب، فهل يستطيع أن يتحكم في أناه ويضع توازنا بينه وبين ما يكتبه؟ أكدت الروائية زهور ونيسي أنه يمكن أن نسجل للكاتب هذا السقوط في فخ الأنا من خلال المبالغة والإضافات والافتعالات، إلا أن الكاتب الحقيقي هو ذلك الذي يتصالح مع نفسه ويكتب بصدق، ولهذا تقول : - الكاتبة زهور ونيسي - ”وما جعلني لا أتخوف من هذه النقطة أنني أرجعت ذلك للظروف وللشخوص المحيطة بالكاتب، ولظروف كثيرة تجعل الكاتب يكتب بهذا الشكل”. عن شعورها بعد الفراغ من الكتابة، قالت الروائية أنها تشعر بالراحة وعندما تكتب، تكتب بحب لا بغل أو حسد لأحد أو تصفية لحسابات. وتضيف أن كلماتها فيها البناء وليس الهدم، وهذا ما يجعلها لا تصفي الحسابات حتى مع الذين أساؤوا إليها، مبررة إساءتهم بالأوضاع الاجتماعية أو غير ذلك. كما أكدت الأديبة زهور ونيسي أنها عندما تباشر الكتابة تباشرها بأمل ولا تتبنى التشاؤم رغم ما يحيط بها من حالات البؤس والقلق والخوف والهلع، لأن في اعتقادها الكتابة فيها شفاء للذات، وشفاء لذوات أخرى. وأرجعت ونيسي تسامح الكاتب مع غيره إلى المثالية والحب الموجدين عنده، إضافة إلى الدور الذي يلعبه التقدم في السن، لأن الكتابة تتأثر بسن الكاتب بقدر ما فيه من الأمل وما فيه من الخوف. كما تحدثت السيدة زهور ونيسي عن طفولتها بشجاعة، عن أمها وعن والدها الذي كان يذهب مساء لحضور دروس محو الأمية، وعن الحركة الإصلاحية ودور الشيخ عبد الحميد بن باديس في هذه الحركة وتأثيره الإيجابي، حيث كان يطلب من أعضاء الجمعية إدخال بناتهم للمدارس هم أولا حتى يكونوا قدوة لغيرهم، كما كان يفرض على الآباء الذين يدرس أبناؤهم وفق القانون الداخلي ثمن تعليم أبنائهم، أما البنات فلا يدفعن نظير تعليمهن شيئا. كما تطرقت السيدة ونيسي إلى حياتها الزوجية وزوجها الذي شجعها وكان سندا لها في كل شيء، هذا الزوج الذي تقول عنه الأديبة أنه فريد من نوعه، فهو من عائلة متعلمة ومثقف ومتعلم، وأنه ساعدها وسهل لها كل الصعاب في مجال الأدب والوزارة. وفيما يخص المرأة فقد أكدت السيدة زهور ونيسي أن وضعية المرأة الجزائرية إذا ما قورنت بوضعية المرأة العربية، نجدها افتكت حريتها افتكاكا عندما شاركت في ثورة التحرير. وعن تأثرها بكاتبات عربيات أمثال نوال السعداوي، فقد ذكرت ونيسي أن نوال السعداوي كانت متمردة، وهي ليست من أنصار نوال السعداوي، وقالت أنا امرأة معتدلة أحب أن يتطور المجتمع تطورا تدريجيا ”أنا أحب الكلمة الهادئة الطيّبة، وأملي في الأجيال كبير”. وعند تشخيصها لواقع المثقف الجزائري، اعتبرت ونيسي أنه بين المطرقة والسندان، وهو عكس المثقف في العالم الذي يحظى بالتبجيل والتقدير، كما أكدت فيما يخص المثقف والسياسة والأخلاق، أن المثقف هو الذي يؤخلق السياسة حتى تصبح في مستوى الإنسانية، وأن الثقافة عندنا تشبه اللوحة الزاهية التي تزين بها المجالس، ”اسألوا عن ميزانية الثقافة والبحث العلمي”. وأضافت ”نحن اهتممنا بالبناء المادي، ولم نبن الإنسان ونستثمر فيه، وأخشى ما أخشاه أن يأتي وقت يهدم هذا الإنسان كل ما بنيناه، لأن الثقافة نضال على مستوى الفكر وإضافة مساحات جديدة للإنسانية من خلالها سيتم تغيير المجتمع إلى مجتمع حي متفتح على الحضارات الأخرى”. وأكدت السيدة زهور ونيسي، أن سيناريو مسلسل الشيخ عبد الحميد بن باديس خرج من يدها، وهو الآن في الدوائر الإدارية، ويقال عنه أنه يحتاج إلى ميزانية كبيرة، كما أنها كتبت سيناريو يتألف من أربعين حلقة عن الجزائريين الذين تم نفيهم إلى كاليدونيا بدون رجعة. وعن النصيحة التي يمكن أن توجهها للمثقف، قالت”لابد من تكوين النفس لأن المثقف الحقيقي هو المثقف الواعي الذي لا يتوقف عن مسيرة الإبداع، فالجيل الجديد لا نخاف عليه، نطلب منه أن يعيش حياته الجميلة وفي نفس الوقت نطلب منه أن لا ينقطع عن الماضي، لأن الحداثية لا تقطعنا عن الماضي، لا بد أن ننظر للماضي من زوايا كثيرة، لأن كثيرا من العولمة متوحش، والعولمة تحاول أن تبني ثقافتها العالمية على حساب ثقافتنا المحلية، تحاول أن نكون في تبعية طواعية لها، لأن العالم أصبح لا يخضع للرقابة، والتحصين هو أن لا نذوب ونذهب هباء في هذه الثقافة المتوحشة، العولمة استطاعت أن تنجح سياسيا، عسكريا، اقتصاديا ويمكنها أن تنجح ثقافيا إذا لم نحصن أنفسنا بهويتنا...”.